احلام الورد
اللهم اغفرلي وارحمني واعفو عني . . اللهم الهمني بِ حًب عبادك في هذا المنتدى منك واليك يَ رب العالمين . اللهم اجمعنا على حبك وعطفك وحسن عبادتك . اللهم حقق احلامنا . اللهم فسآعدنا والهمنا . اللهم اجعل من هذا الموقع ان يتحسن ويرضي كل من يريد تحقيق حلمه اللهم امين
احلام الورد
اللهم اغفرلي وارحمني واعفو عني . . اللهم الهمني بِ حًب عبادك في هذا المنتدى منك واليك يَ رب العالمين . اللهم اجمعنا على حبك وعطفك وحسن عبادتك . اللهم حقق احلامنا . اللهم فسآعدنا والهمنا . اللهم اجعل من هذا الموقع ان يتحسن ويرضي كل من يريد تحقيق حلمه اللهم امين
احلام الورد
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


احلام الورد , هنا (, تتحقق , احلامك ), تكون مثل الورود , باجمل الوانها وسحرها وتآثيرها
 
الرئيسيةمركز التحميلأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 موسوعة:محاضرات علوم القرآن - 2- د. محمد الخضيري

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
صقر
آحــلآمـ جـديـد
صقر


ادعيتك المختاره : سبحانك اللهم وبحمدك استغفرك واتوب اليك

المشاركات : 15
نقاط العضو : 21
تاريخ التسجيل : 18/05/2010

موسوعة:محاضرات علوم القرآن - 2- د. محمد الخضيري Empty
مُساهمةموضوع: موسوعة:محاضرات علوم القرآن - 2- د. محمد الخضيري   موسوعة:محاضرات علوم القرآن - 2- د. محمد الخضيري Emptyالثلاثاء مايو 18, 2010 9:38 pm

علوم القرآن المستوى الأول

المحاضرة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء
والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

في الدرس الأول من دروس علوم القرآن في هذا الفصل الدراسي
قدمنا بذكر المباديء العشرة التي يحتاجها طالب العلم للدخول في أي فن من
فنون العلوم الإسلامية، وواصلنا الحديث حتى وصلنا إلى نشأة مدارس التفسير
وفي بداية الحلقة وضعنا سؤالين لكم جميعاً- أيها الإخوة المشاهدين-
ولإخواننا أيضاً من الحاضرين للإجابة عليها.

كان هذين السؤالين أحدهما يقول: من أول من ألف في علوم القرآن
بالمصطلح المعروف؟

فإذا كان لأحد إجابة فليتفضل بها.

{ يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أول من ألف في علوم
القرآن بالمصطلح المعروف هو علي بن إبراهيم المعروف بالجوفي المتوفى عام
أربعمائة وثلاثين من الهجرة فقد ألف كتاب البرهان في علوم القرآن والله
أعلم

الإجابة الأخرى: يقول: إن أشهر كتاب في علوم القرآن لم أستطع
الوقوف عليه لكن من أشهر الكتب كتاب الإتقان في علوم القرآن للسيوطي وكتاب
فنون الأثمان في عجائب علوم القرآن لابن الجوزي وكتاب مباحث في علوم القرآن
للشيخ مناع القطان

الأخ يقول: إجابة السؤال الأول: أول من ألف في علوم القرآن
بالمصطلح المعروف هو ابن الجوزي حيث ألف كتابه فنون الأثمان في علوم القرآن
وألف أبو شامة المتوفي في سنة 665هـ كتاب سماه المرشد الوجيز فيما يتعلق
بالكتاب العزيز.

جواب السؤال الثاني: أشهر كتاب في علوم القرآن: السيوطي -رحمه
الله تعالى- وضع كتابه الحافل الذي جمع كل ما كتب من قبل وفي الأصل حديث
الشيخ الزرقاني -رحمه الله تعالى- ، نسمع تعليقكم أي الإجابات أصح}.

إجابة الأخ الأول يقول: إن أول من ألف في علوم القرآن
بالمصطلح الحديث هو علي المعروف بالحوفي ذكر أنها الجوفي والصحيح أنها
الحوفي، هذا من علماء القرن الخامس الهجري والصحيح أن هذا ليس هو أول من
ألف في علوم القرآن الكريم ذلكم أن كتابه على الصحيح ليس اسمه البرهان في
علوم القرآن، وإنما اسمه: الصحيح[وإنما اسمه الصحيح:] البرهان في تفسير
القرآن الكريم، أما إجابته الثانية فأشهر كتاب في علوم القرآن هي ما ذكره
الأخ فقد أصاب الإجابة، أشهر كتب علوم القرآن على الإطلاق وعليه المعول
فيمن جاء بعده هو الإمام السيوطي في كتابه "الإتقان في علوم القرآن" فإجابة
الأخ هذه صحيحة. أما الأخ الآخر عندما ذكر أشهر مؤلفي علوم القرآن ذكر
فنون الأفنان نقول: ليس الأمر كذلك، أو أول من ألف في علوم القرآن قال: إنه
ابن الجوزي في فنون الأفنان نقول: إن ابن الجوزي من علماء القرن السادس
الهجري وقد تقدمه بعض العلماء كما سيأتي - إن شاء الله تعالى- تعالى.

{تقول: أول من ألف في علوم القرآن هو ابن الجوزي وكتاب فنون
الأفنان وأشهر كتاب هو الإتقان في علوم القرآن للسيوطي }

إجابتها الثانية صحيحة أما الأولى فليست كذلك.

{تقول أول من ألف في علوم القرآن هو السيوطي في كتابه الإتقان
وأشهر الكتب الإتقان في علوم القرآن ومباحث في علوم القرآن للشيخ مناع
القطان}.

إجابتها الثانية صحيحة وأما الأولى فليست كذلك فقد تقدم
السيوطي علماء كثيرون جداً كتبوا في علوم القرآن بالمصطلح المعروف.

{ يقول: إجابة السؤال الأول: على بن إبراهيم الحوفي ثم ابن
الجوزي وإجابة السؤال الثاني الإتقان في علوم القرآن للسيوطي}.

تقدم الإجابة على مثل هذا الجواب وبينا أن الإجابة الأولى
خاطئة والثانية صحيحة.

{تقول: الإتقان في علوم القرآن للسيوطي -رحمه الله تعالى }

كذلك نقول في إجابة هذه الأخت.

بقي هذا السؤال لم يجب أحد عليه سنجيب عليه - إن شاء الله
تعالى- في هذا الدرس بإذن الله -جل وعلا.

أما أشهر الكتب فكما ذكر الإخوة من أن أشهر كتب علوم القرآن
هو كتاب "الإتقان في علوم القرآن" للإمام السيوطي -رحمه الله تعالى-
والإمام السيوطي -رحمه الله تعالى- ألف -كما سنبين- كتابين في علوم القرآن
أشهرهما كتاب الإتقان وهذا الكتاب جمع فيه كثيراً مما كتب قبله في علوم
القرآن فأصبح موسوعة علمية في هذا الشأن،

لدينا أسئلة في الدرس الماضي السؤال الأول يقول: هل اسم
القرآن جامد أم مشتق؟

تحدثنا بالأمس عن كلمة القرآن وقلنا: من العلماء من يقول:
إنها جامد ومنهم من يقول: إنها من المشتقات فما هو الصواب من هذه المسألة؟

{الصحيح الذي عليه جمهور الفقهاء أن لفظ القرآن مشتق وليس
بجامد.}

الصحيح أن لفظ القرآن مشتق وليس بجامد.

السؤال الثاني: ما هي المباديء العشرة للعلوم؟

تحدثنا في الدرس الماضي عن المباديء العشرة للعلوم فمن يذكرها
على سبيل العد ولست أقصد بذلك تلك الأبيات التي رددناها في الدرس الماضي؟

{المباديء العشرة: الحد والموضوع والثمرة ونسبته وفضله
والواضع الاسم والاستمداد حكم الشارع ومسائل الفن}.

هذه هي مباديء الفنون التي تدرس في بداية كل علم، وبالأمس لم
يبين معنى كلمة ونسبته، يعني هذا العلم ينسب إلى أي العلوم؟ فعلوم القرآن
تنسب إلى علوم الشريعة، فعلم التشريح مثلاً ينسب إلى علم الطب وهكذا
المقصود إلى أي شيء ينتسب هذا العلم نقول ينتسب إلى علوم الشريعة.

السؤال الثالث: ما أسماء هذا الفن؟ من يجيب؟

{أسماء هذا الفن يسمى علوم القرآن الكريم وأصول التفسير
وقواعد التفسير }

أحسنت. يسمى علوم القرآن الكريم ويسمى أيضاً أصول التفسير
ويسمى قواعد التفسير بمعنى أنك تجد بعض الكتب وجد عنوان لها بهذه الصورة
لكن داخلها هو في علوم القرآن مثلاً الشيخ ابن عثيمين له كتاب اسمه أصول
التفسير أو مقدمة في أصول التفسير وهي حقيقة في علوم القرآن فعلينا أن
ننتبه إلى هذا الأمر ولأجل هذا ذكرنا هذه القضية في مباديء علوم القرآن
الكريم.

السؤال الأخير الذي نختم به: ما موضوع علوم القرآن الكريم؟

{موضوع علوم القرآن هو القرآن الكريم من حيث بيان نزوله وجمعه
وكتابته وناسخه ومنسوخه }.

أحسنت. موضوع علوم القرآن هو القرآن يعني البحث في علوم
القرآن يدور حول القرآن من حيث هذه الأمور التي ذكرتها جزاك الله خيراً:
جمعه، ناسخه، منسوخه، أمثاله، قصصه، نزوله، كتابته، رسمه، قراءاته... إلى
آخره مما ذكره أهل العلم.

{كنا توقفنا بالأمس عند مدارس التفسير في عهد التابعين تطرقنا
إلى شيء من ذلك ولم يسعفنا الوقت إلى التطرق إليها كلها لو أخذناها من
أولها}

كنا في الدرس الماضي تحدثنا عن نشأة هذا العلم وبينا أنه في
عهد النبي - صلى الله عليه وسلم- كان هذا العلم موجوداً؛ لأنه وجد هذا
العلم مع نزول القرآن الكريم فطريقة نزول القرآن، وكتابة القرآن والوحي
الذي ينزل على النبي - صلى الله عليه وسلم- وكيفياته وجمع القرآن وما يكون
في القرآن الكريم من ناسخ ومنسوخ كان ذلك كله موجوداً على عهد النبي -صلى
الله عليه وسلم- واستمر الأمر على ذلك في عهد الصحابة وبينا كيف أن الصحابة
عنوا بهذا الأمر أشد العناية حتى إنهم كانوا يميزون الآية ويعرفون -رضي
الله عنهم- أين نزلت؟ هل نزلت في الليل أم في النهار؟ في جبل أم في سهل؟
في صيف أو شتاء؟ من شدة عنايتهم بضبط هذا القرآن وعنايتهم به - رضون الله
عليهم- ثم انتقل الأمر بعد ذلك إلى عهد التابعين- رضوان الله عليهم- وذلك
أن التابعين تلقوا هذا العلم عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إن
أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لم يبقوا في المدينة وإنما تفرقوا
في الأمصار في الدعوة إلى الله تعالى والدعوة إلى هذا الله - سبحانه
وتعالى- وتبليغ هذا الدين، منهم المجاهدون الذين يفتحون الأمصار بالسنان
ومنهم العلماء الربانيون الذين يفتحون الأمصار بالحجة والبرهان ويعلمون
الناس دين الله - جل وعلا- يقول الله - جل وعلا- ﴿ فَلَوْلاَ
نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي
الدِّينِ
وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ
إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122)

[التوبة: 122] فنشأت هناك مدارس حسب المواقع التي ذهب إليها أصحاب رسول
الله - صلى الله عليه وسلم- المدرسة الأولى مدرسة مكة وهي أشهر مدارس
التفسير وهي المدرسة التي كان يقودها ويرأساً فيها ابن عباس -رضي الله عنه-
كيف ذلك؟ ابن عباس -رضي الله عنه- بقي بمكة فاجتمع عليه طالبوا العلم من
أهل مكة وأخذوا يتتلمذون عليه كمجاهد بن جبر، عكرمة مولاه أيضاً طاووس بن
كيسان اليماني عطاء بن أبي رباح وغير هؤلاء ممن عكفوا على التتلمذ على ابن
عباس -رضي الله عنه- وأخذت هذه المدرسة تنشر هذا العلم الذي بثه فيها ابن
عباس حبر الأمة وترجمان القرآن ؛ لأن ابن عباس قد مدحه النبي - صلى الله
عليه وسلم- بقوله أو دعا له النبي - صلى الله عليه وسلم- بقوله : (اللهم
فقه في الدين وعلمه التأويل) فأخذت الأمة تأويل القرآن عن عبد الله بن عباس
-رضي الله عنهما- وخرج من تلاميذه علماء أفذاذ نقلوا علماً كثيراً للأمة
بل إن أكثر علم التفسير وعلوم القرآن أخذ من هذه المدرسة التي تسمى:
المدرسة المكية.

المدرسة الثانية: مدرسة المدينة وهي المدرسة التي كان فيها
كثير من الصحابة - رضون الله عليهم- لأن كثيرين من الصحابة بقوا في المدينة
وهي المدرسة التي كان فيها أبي بن كعب -رضي الله عنه- وزيد بن ثابت أيضاً
ومن أشهر تلاميذ هذا المدرسة من التابعين: زيد بن أسلم وأبو العالية
الرياحي ومحمد بن كعب القرظي وهذه المدرسة مدرسة حفظت لنا علماً كثيراً من
السير والمغازي والسنن النبوية بل حتى علم القراءة اشتهرت هذه المدرسة
بالعناية به وما زالت القراءة في أهل المدينة إلى اليوم باقية.

المدرسة الثالثة: هي مدرسة الكوفة وهي المدرسة التي أنشأها
وقام عليها عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- هذه المدرسة كان من أشهر
تلاميذها علقمة بن قيس -رحمه الله تعالى- وعمرو بن شرحبيل وأبو عبد الرحمن
السلمي الذي كان له مقرأة يقرأ فيها خلق كثير القرآن الكريم بل كان يطوف
عليهم على حمار كان يركبه -رحمه الله تعالى- وقد تفرغ لإقراء القرآن أكثر
من ستين عاماً يقرأ الناس كلام الله - جل وعلا- ويعلمهم تلاوة القرآن
الكريم وهو الذي روى حديث( خيركم من تعلم القرآن وعلمه) عن عثمان -رضي الله
عنه- هذه ثلاث مدارس يذكرها كثير من الكاتبين في علوم القرآن، ويضاف إليها
مدرسة مهمة جداً هي المدرسة الرابعة: وهي المدرسة البصرية والتي كان رأساً
فيها أنس بن مالك وأبو موسى الأشعري ومن تلاميذهم الإمامان الجليلان:
الحسن البصري وقتادة بن دعامة السدوسي هذه المدرسة مدرسة متميزة أيضاً في
علوم القرآن وفي علم التفسير وفي الروايات بشكل عام فهذه المدرسة كان لها
دور كبير في حفظ كثير من علم التفسير، بل إن أكثر مرويات التفسير كما أثبت
ذلك الدكتور محمد بن عبد الله البصيري[الخضيري] في رسالته الماتعة رسالة
الدكتوراة " تفسير التابعين" قال: إن أكثر مرويات التفسير بعد المدرسة
المكية تروى عن هذه المدرسة البصرية مع إغفال الكثير من الكاتبين لعلوم
القرآن لهذه المدرسة فهذه.

المدارس الثلاث انطلقت منها الجمل أو المرويات العلمية في
التفسير وفي علوم القرآن وفي سائر فنون الشريعة, انطلقت منها وتفرعت عنها
حيث تلاميذ هذه المدارس تفرقوا في الأمصار ونقلوا للناس ما عندهم من علوم،
بل إنك تجد أحياناً بعض طلاب المدرسة المكية تتلمذ على يد المدرسة الكوفية
أو البصرية كما حصل لسعيد بن جبير - رضي الله عنه وأرضاه- وأبي العالية
الرياحي فقد تتلمذ على مدرستين وأخذ من الطائفتين فهذه جملة ما حصل من
المدارس في عهد التابعين.

{أسئلة الحضور}

{هل هناك فرق بين هذه المدارس في المنهجية؟}

نعم الذين تتبعوا حقائق هذا المدارس وما صدر عنها من علوم
ومرويات وجدوا أن هناك فروقاً كثيرة جداً ومن أحسن من كتب في هذا الباب
فيما رأيت: ما ذكرته من رسالة الدكتوراه للدكتور محمد بن عبد الله
البصيري[الخضيري] "تفسير التابعين" وهي رسالة جديرة بالقراءة والاقتناء.

الفروق مثلاً:

- المدرسة المكية هي أشهر المدارس في بث علم التفسير وهي
مدرسة أيضاً تعتمد في كثير من التفسير على الرأي والاجتهاد وعلى علم اللغة
أكثر من غيرها.

- أما المدرسة الكوفية فإن الاهتمام بالأحكام والفقه أكثر
فيها أما تفسير القرآن بكلام العرب أو بالرأي دون الأثر فإنه قليل جداً
فيها؛ لأنها مدرسة أثرية.

- المدرسة في المدينة مثلاً من المميزات التي فيها أنها
اهمت مثلاً بعلم القراءة واهتمت أيضاً بعلم السير فكثيراً من الآيات التي
فيها ذكر لمغازي رسول الله وأيابه وحروبه رواها ونقلها لنا تلاميذ هذه
المدرسة المدنية.

- مدرسة البصرة مثلاً اهتمت بجانب مهم جداً في علم القرآن
وهو جانب المواعظ والتذكير فنجد هذا الجانب بارزاً في هذه المدرسة كما
اهتمت أيضاً بقضية الأحكام -أحكام الآيات- نجدها أيضاً بارزة وبينة في علوم
ومرويات هذه المدرسة.

إذن هذا يبين لنا بعجالة أن هذه المدارس بينها اختلاف بل إن
الاختلافات التي حصلت في المذاهب الإسلامية كانت نشأتها في الحقيقة في هذه
المدارس لمن تأمل ذلك وتبصره حق التبصر.

هل هناك أسئلة من الحاضرين؟ تفضل.

{لماذا عبرنا بالقول: إذا " قام به من يكفى" دون العبارة
الشائعة:" إذا قام به البعض " ؟} أحسنتم. هذا سؤال مهم جداً ومفيد جداً
لطلاب العلم. قلنا في حكم تعلم علوم القرآن: إن حكمه فرض كفاية والسبب في
ذلك عندما عبرنا قلنا: إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين لأن عبارة
إذا قام به البعض سقط الإثم عن الباقين فيها تسامح فالصحيح أن يقال إذ قام
به من يكفي لأن كلمة البعض تصدق على واحد والواحد أحياناً لا يفي بالحاجة
فمثلا يقول العلماء: تغسيل الميت والصلاة عليه فرض كفاية فهل معنى فرض
كفاية أن يقوم به واحد من المسلمين وقد يكون هذا الواحد غير قادر على
القيام بهذه المهمة فنقول: لا... إذا قام به من يكفي، من تقوم به الكفاية
فإذا كان يكفي بهذا العمل ثلاثة وقام به ثلاثة هنا سقط الإثم عن الباقين،
إذا كان يكفي أربعة أو ستة أو عشرة فقام به هذا العدد سقط الإثم عن الباقين
أما كلمة البعض فإن فيها تجوزاً وكلمة إذا قام به من يكفي هي الأفضل من
ناحية موافقة اللفظ وأيضاً من ناحية الحقيقة الشرعية فلننتبه لهذا عندما
نعبر في قولنا: معنى فرض كفاية.

{ذكرتم في الدرس الماضي أن أشهر اسمين للقرآن هو القرآن
والكتاب فهل هناك سر لذلك؟}.

نعم ذكرنا أن من أشهر أسماء الكتاب خمسة: القرآن والكتاب
والذكر والفرقان والنور وأشهر هذه الخمسة- كما ذكرت بارك الله فيك- القرآن
والكتاب فأكثر ما يتردد في كتاب الله -سبحانه وتعالى- هو القرآن والكتاب،
فأكثر ما يتردد في كتاب الله -سبحانه وتعالى- وصفاً للقرآن وتسمية له هو:
القرآن والكتاب فلماذا كان هذان الاسمان هما أشهر أسماء القرآن؟ يذكر بعض
الباحثين المعاصرين لذلك حكمة جليلة[جميلة]، قال: لأن القرآن يحتاج في حفظه
ونقله إلى أمرين: التلاوة أوالقراءة , والكتابة, فهذا العنصران هما عنصرا
حفظ القرآن الكريم لأننا لا نقبل قراءة من دون كتابة ولا نقبل كتابة من دون
قراءة، ولذلك لو جاءنا إنسان يريد أن يتعلم القرآن من دون أن يتعلمه على
قاريء فإننا نقول له: لابد أنك ستخطيء في قراءته لأن قراءة القرآن تحتاج
إلى أن تطلع على من يتعلم عنه القرآن الكريم فهذا هو سر كون هذين الاثنين
من أسماء القرآن الكريم هما أشهر أسماء القرآن الكريم، والله أعلم.

{نستعرض بعض الأسئلة}

{يقول: السلام عليكم هل يعتبر تفسير التابعين تفسيراً بالرأي
أم تفسيراً بالمأثور؟ }

تفسير التابعين إن كانوا ينقلونه عمن قبلهم من الصحابة أو عن
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو تفسير بالمأثور أو ينقلونه من السنة أو
تفسير القرآن بالقرآن فهو من التفسير بالمأثور. أم إن كانوا يقولونه
برأيهم وباجتهادهم حسب الضوابط الشرعية والأصول المرعية عند أهل العلم فهو
يعد من هذه الزاوية تفسيراً بالرأي بالنسبة لهم، ومَنْ بعدهم إذا نقلوه
عنهم صار تفسيراً بالمأثور لكن تفسيراً نسبياً أما حقيقته فهو تفسير
بالرأي. والله أعلم.

ننتقل بعد هذا إلى العهد الأخير الذي استقر عليه الأمر في
نشأة علوم القرآن وهو عهد التدوين، تعلمون أنه في نهاية القرن الأول ومطلع
القرن الثاني بدأ تدوين العلوم الإسلامية ومن ذلك علوم القرآن بل إن بعض
مفردات علوم القرآن بدأت الكتابة فيها مبكرة يعني بعد الستين تقريباً
الستين هجرياً يروى أن مجاهد كتب التفسير عن عبد الله بن عباس -رضي الله
عنه- كما ذكر ذلك ابن النديم في الفهرست له، فهذا يدلنا على أن علوم القرآن
دونت في عهد مبكر. وعهد التدوين - أيها الأحبة- لما بدأ كانت دونت كثير
من علوم الإسلام خصوصاً ما يتصل بالرواية من حديث رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- أو بالرواية عن الصحابة - رضوان الله تعالى عليهم- في تفسير كلام
الله -جل وعلا. وكانت البداية في مفردات من علوم القرآن ومباحث معينة يعني
هذا يؤلف في الناسخ والمنسوخ وهذا في أسباب النزول وهذا في غريب القرآن
وهذا يؤلف في قصص القرآن وهذا يؤلف في نزول القرآن أو جمع القرآن أو نحو
ذلك، وقد عد ابن النديم -رحمه الله تعالى- في الفهرست أكثر من مائتين
وخمسين مؤلَّفاً إلى وقت كتابته لتلك المؤلفات عندما حرر كتابه المشهور عام
سبعة وسبعين وثلاثمائة من الهجرة النبوية(377هـ). فتصور أنه في خلال
القرون الثلاثة أو في نهاية القرن الأول والقرن الثاني والثالث دوِّن أكثر
من مائتين وخمسين كتاباً في علوم القرآن الكريم فتجد قد دوِّن في الناسخ
والمنسوخ كذا كتاباً وفي غريب القرآن كذا كتاباً وفي مشكمل القرآن كذا
كتاباً وهكذا في سائر علوم القرآن؛ وبهذه الطريقة بدأ التأليف في علوم
القرآن لا على أنه فن مستقل بموضوعات محددة وإنما كل واحد يؤلف في موضوع من
موضوعات علوم القرآن وعلى سبيل المثال: الحسن البصري ألف كتاباً في
القراءة والحسن كانت وفاته عام عشرة ومائة أيضاً فيمن ألف في ذلك الزمن
المبكر عطاء بن أبي رباح وهو من تلاميذ ابن عباس -رضي الله عنه- المتوفى
عام أربعة عشرة ومائة. ألف كتاب غريب القرآن مما يدل على أن هذا العلم قد
تقدم فيه التأليف في مطلع القرن الثاني، أيضاً قتادة بن دعامة السدوسي وهو
من تلاميذ المدرسة البصرية ألف كتاباً في الناسخ والمنسوخ وكتابه هذا موجود
وقد طبع، ووفاة قتادة -رحمه الله تعالى- كان عام سبعة عشر ومائة من الهجرة
النبوية. أيضاً من المؤلفات المبكرة في علوم القرآن أبوعبيد القاسم ابن
سلام -رحمه الله تعالى- المتوفي عام أربعة وعشرين ومائتين من الهجرة
النبوية ألف كتاب الناسخ والمنسوخ وكتابه هذا موجود مطبوع وممن ألف أيضاً
وهم كثير جداً- كما أسلفت قبل قليل- ابن قتيبة -رحمه الله تعالى- ألف
كتابين مهمين وهما مطبوعان وابن قتيبة توفي عام ستة وسبعين ومائتين من
الهجرة النبوية ألف كتاب تأويل مشكل القرآن وهو كتاب مشهور موجود وألف كتاب
تفسير غريب القرآن وهو كتاب يعتبر عمدة في بابه, ومنهم أيضاً - ممن ألف-
الواحدي -رحمه الله تعالى- له كتاب مشهور في أسباب النزول بل هو أشهر الكتب
في أسباب نزول القرآن الكريم, والواحدي - كما تعلمون- من علماء القرن
الخامس الهجري توفي سنة ثمان وستين وأربعمائة من الهجرة النبوية. وممن
ألفوا أيضاً وشاركوا في ميدان علوم القرآن ابن القيم -رحمه الله تعالى- ابن
تيمية شيخ الإسلام فقد ألف كتاباً في موضوع من موضوعات علوم القرآن مهم
جداً وهو موضوع: القسم في القرآن واسم كتابه: التبيان في أقسام القرآن
وتعلمون أن وفاة ابن القيم -رحمه الله تعالى- كانت سنة إحدى وخمسين
وسبعمائة من الهجرة النبوية.

ومنهم أيضاً ممن شاركوا في التأليف في علوم القرآن الإمام
الحافظ ابن حجر الذي إذا قيل الحافظ لم ينصرف إلى أحد غيره ابن حجر -رحمه
الله تعالى- توفي عام اثنتين وخمسين وثمانمائة من الهجرة النبوية وله كتاب
حافل جميل جداً في أسباب نزول القرآن يسمى: العجاب في الأسباب، وهو مطبوع
الآن في مجلدين وفيه خروم يسيرة وهذا الكتاب يعتبر من أحسن الكتب في أسباب
نزول القرآن هذه - أيها الأحبة - جملة من الكتب المؤلفة في علوم القرآن
بصفة مفردة ونضيف إليها كتاب: التيسير في قواعد علم التفسير للإمام
الكافيجي المتوفى سنة تسع وسبعين وثمانمائة من الهجرة النبوية ومنها أيضاً
كتاب السيوطي -رحمه الله تعالى- الذي توفي عام إحدى عشرة وتسع مائة له كتاب
اسمه مفحمات الأقران في مبهمات علوم القرآن ومنهم أيضا زكريا الأنصاري
المتوفى سنة ست وعشرين وتسع مائة من الهجرة النبوية ألف كتاب: فتح الرحمن
بكشف ما يلتبس في القرآن الكريم وهذا الكتاب أيضاً مطبوع كما أن الكتاب
الذي قبله وكتاب الكافيجي أيضاً كلها مطبوعة وموجودة، ومن الكتب المؤلفة
وهي من علماء معاصرين كتاب الشيخ عبد الرحمن السعدي أحد علماء نجد المتوفى
سنة ست وسبعين وثلاثمائة وألف من الهجرة النبوية له كتاب اسمه: القواعد
الحسان في تفسير القرآن وهي قواعد عامة في قواعد تفسير القرآن وذكر بعض
القواعد الأصولية وبعض الفوائد القرآنية.

هذه جملة من المؤلفات المفردة في مباحث في علوم القرآن,
والمؤلفات المفردة في هذا الباب كثيرة جداً تربو على الحصر بل إن بعض
المعاصرين جمع ما هو موجود مخطوطاً ومطبوعاً من كتب علوم القرآن في أربع
مجلدات كبيرة فذكر من ذلك آلافاً من الكتب مما يدلنا على أن العلماء -رحمهم
الله تعالى- قد أَوْلَوا مباحث علوم القرآن عناية كبيرة وهذا من حفظ الله
تعالى لكتابه وعناية الأمة بفهم هذا القرآن والعناية به.

ثم بعد ذلك ننتقل إلى المؤلفات في علوم القرآن علماً على علم
معين نذكرها بعد أن ننظر إذا كان هناك أسئلة أو شيء من هذا القبيل.

{هل يقال: ابن القيم [الجوزية] أو ابن قيم الجوزية من غير
[أداة] التعريف؟}

أحسنت. هذا مما يقع فيه خطأ كبير ممن يتحدثون عن ابن قيم
الجوزية. فنقول في ذكر[اسم] هذا الإمام: إن قلت ابن القيم فأنت تتوقف بهذه
الصورة تقول: ابن القيم. وإن أضفت تقول: ابن قيم الجوزية لعلي أضرب لذلك
مثالاً يتضح به المقال: هل يصح أن تقول: ابن المدير المدرسة ؟ لا يصح ،
وإنما تقول: ابن المدير أو ابن مدير المدرسة وكذلك هذه الكلمة تماماً
وسواءً بسواءٍ لأن ابن قيم الجوزية معناه ابن مدير المدرسة الجوزية فابن
القيم ابن لمدير المدرسة الجوزية، فإما أن تقول: ابن القيم يعني ابن المدير
أو ابن قيم الجوزية ابن مدير المدرسة، هكذا ينطق اسم هذا الإمام العلم.
إذن فبهذا نعلم أن من يقول: ابن القيم الجوزية يخطئ في طريقة قراءة اسم هذا
العلم وهذا يذكرني أيضاً بشيخ الإسلام كثيرا من الناس يقول: ابن تيمية ولا
يشدد الياء وهو منسوب إلى تيماء فيقال: ابن تيمية لأن جدته ولدت هناك في
تيماء فنسبت إلى تيماء فقيل في حقها تيمية فابنها أو حفيدها يقال له: ابن
تيمية . وهكذا ينبغي لنا أن نتعلم ضبط الأسماء خاصة أسماء الأئمة والعلماء.

{هل هناك أسئلة أخرى؟}

{ذكرتم المدارس المكية والمدنية والبصرية والكوفية هل البلاد
الشامية كانت تفتقر لهذه المدارس؟}

الشام كانت أرض جهاد وأرض ثغور فكانت بداية المدارس الإسلامية
في هذه المواقع فنحن نتحدث الآن عن عهد التابعين وليس العهد الذي جاء بعده
مثلاً في عهد الدولة الأموية صارت الشام محلاً للعلم والعلماء ومكاناً
للمدارس الإسلامية, لكن نحن نتحدث في زمن معين وهو زمن التابعين أو الصحابة
الذين انتقلوا إلى الأمصار وبثوا علومهم هناك، فنفر [فمثلا] في الشام أبو
الدرداء -رضي الله عنه- لكن أبا الدرداء اشتهر -رضي الله عنه- بالعبادة
وأيضاً كثير ممن ذهب إلى الشام كان يقصد الذهاب إلى ثغور المسلمين للقتال
فيها ولذلك أحاديث الجهاد تجد أكثرها عند الشاميين لأن الشام كانت محلاً
للمجاهدين، وتعرف أن الصراع الذي بقي مع الروم بقي صراعاً طويلاً بخلاف
الصراع الذي كان مع الفرس فقد أنهى الله - سبحانه وتعالى- دولتهم في غضون
سنوات قليلة.

{نستعرض مجموعة من الأسئلة:}

{من الأردن يقول: السلام عليكم ورحمة الله: ما رأيك في مقدمة
أصول التفسير لشيخ الإسلام وهل تنصح بحفظها ودراستها لطالب العلم المبتدئ ؟

وآخر: يقول هل اختلفت المدارس في تفسير معاني الآيات؟ فإذا
كان ذلك حصل فكيف وقد أخذوا جميعاً عن الرسول -صلى الله عليه وسلم ؟

وآخر يقول: حينما دعا الرسول -صلى الله عليه وسلم- لابن عباس
قال له :كما ذكرت (اللهم علمه التأويل) فما الفرق بين التفسير والتأويل؟}

السؤال الأول: سأل عن مقدمة أصول التفسير لشيخ الإسلام ابن
تيمية هذه المقدمة من أحسن ما كتب في أصول التفسير وبيان خلاف المفسرين
وكيف يعمل الإنسان عندما يقرأ خلاف المفسرين من السلف وذكر أيضاً طرفاً من
مناهج المفسرين فهي مقدمة تعتبر من أفضل ما كتب في هذا الباب، وحري بطالب
العلم أن يقرأها ويستشرحها ويستظهر هذه المقدمة لأنها مقدمة كما ذكرت
متينة، بل إن تفسير ابن كثير -رحمه الله تعالى- بُني على هذه المقدمة
والدليل على ذلك أنك تجد ابن كثير -رحمه الله تعالى- قد ضمن مقدمة تفسيره
هذه المقدمة دون إشارة واضحة إلى شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-
ثم بنى التفسير على نفس المنهج الذي ذكره شيخ الإسلام في هذه المقدمة
العظيمة، بمعنى أنه كان ابن كثير -رحمه الله تعالى- يفسر القرآن أولاً
بالقرآن فإن لم يجد فسر القرآن بالسنة فإن لم يجد فسر القرآن بأقوال
الصحابة فإن لم يجد فسر القرآن بأقوال التابعين فإن لم يجد فسر القرآن
بمقتصى اللغة على ضوء الضوابط الشرعية والقواعد الأصولية المرعية ولأجل هذا
حاز هذ الكتاب الشهرة وتداوله الناس وصار له قبول أكثر من أي تفسير آخر.

{السؤال الثاني يقول: هل اختلاف المدارس في تفسير معاني
الآيات؟ وإذا كان ذلك حصل فكيف وقد أخذوا جميعاً عن رسول الله -صلى الله
عليه وسلم ؟ }

المدارس - كما ذكرت قبل قليل وقد يأتي تفصيل ذلك إن شاء الله
تعالى في دروس قادمة -مختلفة أصلاً في مناهجها هناك مدارس مثلاً تتورع أن
تقول في القرآن إلا بأثر كالمدرسة المدنية مثلاً وأيضاً يوجد شيء من ذلك في
المدرسة الكوفية فكانوا يتورعون عن القول في القرآن إلا بأثر يعني بأن
يسمعوا في ذلك أثراً عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أو نحو ذلك أما
المدرسة المكية فكانت مدرسة قوية في هذا الميدان؛ لأن قائدها وإمامها ابن
عباس -رضي الله عنه- حيث كان قوياً في الجانب اللغوي، قوياً أيضاً في طلبه
للعلم حيث دار على كثير من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وتلقى
عنهم فقد تجد بعض الآيات موجود تفسيرها عند بعض المدارس وليست موجود عند
المدرسة الأخرى، لكن نحن لا ننظر لهذه المدارس من هذه الزاوية، بل ننظر إلى
أقوال هؤلاء الصحابة وننظر إلى حقيقة هذا القول فإن وافق القول أثراً عن
النبي - صلى الله عليه وسلم- أو آية من كتاب الله كان هو المقدم، وإن لم
يوافق ذلك وكان هو التفسير الذي أطبق عليه الصحابة - رضوان الله تعالى
عليهم- وإن لم يكن كذلك وكان تفسيراً بالرأي والاجتهاد نظرنا بين هذه
الأقوال وقارنا بينها وقدمنا ما نرى أنه هو الأصوب وما يؤدي إليه الاجتهاد ،
هذه هي الطريقة في التعامل مع السلف - رضوان الله تعالى عليهم - مع أننا
نؤكد أنه يجب علينا الرجوع إلى أقوالهم لأنهم أعلم بالقرآن وأعلم بموارد
نزوله وأفهم للغة العرب ممن جاء بعدهم وهذا شيء لا يختلف فيه أحد من أهل
العلم.

{يسأل ويقول: حينما دعا الرسول -صلى الله عليه وسلم- لابن
عباس قال له كما ذكرت (اللهم علمه التأويل) فما الفرق بين التأويل
والتفسير؟ }

التأويل يرد بمعنى التفسير ويرد بمعنى ما يؤول إليه الشيء
ولذلك في قول الله تعالى ﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ
مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ
وَأُخَرُ
مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ
مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ
وَابْتِغَاءَ
تَأَوِيلِهِ
وَمَا يَعْلَمُ
تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ
وَالرَّاسِخُونَ
فِي العِلْمِ
﴾ [آل عمران:7] فانظر إلى كلمة التأويل هنا يمكن أن
تحمل على التفسير فيكون معناها وما يعلم تفسيره إلا الله والراسخون في
العلم فيكون الراسخون ممن يعلمون تفسيره ويمكن أن تكون معرفة حقيقة الشيء
وكنهه، فيكون الوقف في الآية وما ﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ
إِلاَّ اللَّهُ
﴾ وهذا وقف لازم ثم نبدأ بعدها
فنقول: ﴿ وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ
كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا
﴾ ما معنى تأويله؟
يعني ما يؤول إليه الشيء، حقيقة الشيء وكنهه فمثلا صفات الله -جل وعلا- لا
يستطيع أحد أن يعلم حقيقتها لأننا لم نعلم ذلك من طريق الصادق المصدوق ولم
يأتنا خبر عن الله -سبحانه وتعالى- بحقيقتها لكننا نعلم تفسيرها ونعلم
معناها فمعنى التأويل بهذه الصورة ما يؤول إليه الشيء كما قال الله تعالى
في سورة النساء ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا
اللَّهَ
وَأَطِيعُوا الرَّسُولَوَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي
شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ
وَالرَّسُولِ
إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ
الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ
وَأَحْسَنُ
تَأْوِيلاً (59)
﴾ [النساء: 59] فما معنى قوله: ﴿
وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً
﴾ يعني وأحسن عاقبة فكلمة تأويل ترد
أحياناً بمعنى التفسير وترد أحياناً بمعنى عاقبة الشيء وما يؤول إليه
ومعرفة كنهه وحقيقته هذا بالنسبة لما كان عليه الأمر عند السلف الصالح أما
الخلف فإنهم يفسرون التأويل بتفسير آخر لعله أن يأتينا - إن شاء الله
تعالى- في دروس قادمة ونفصله ونبين بطلانه.

كنا توقفنا عند التأليف في علوم القرآن علماً على علم معين،
بعد أن بيَّنا قبل قليل أن الناس تتابعوا في الكتابة في علوم القرآن على
شكل مفردات وبحوث: الناسخ والمنسوخ، قصص القرآن، أقسام القرآن، أمثال
القرآن، مشكل القرآن، إعراب القرآن، غريب القرآن.... إلى آخره ، في القرن
الرابع الهجري بدأ التأليف في علوم القرآن في جميع هذه البحوث يعني أن يكتب
الباحث هذه البحوث منسقة تنسيقاً معيناً ويخرجها باسم علوم القرآن وكان
أول من عرف عنه أنه كتب كتاباً في هذا الفن بهذه الصورة محمد بن خلف بن
المرزبان المتوفى عام تسعة وثلاثمائة(309هـ) فهذا هو أول من كتب كتاباً في
علوم القرآن بالصورة التي نعنيها عندما نتحدث عن علوم القرآن مصطلحاً على
علم معين وسمى كتابه " الحاوي في علوم القرآن" وكلمة الحاوي بالمناسبة اسم
مشهور عند أهل العلم فالماوردي له كتاب كبير في الفقه يسمى: الحاوي يبلغ
أكثر من عشرين مجلداً والسيوطي - رحمه الله تعالى- له كتاب اسمه: الحاوي في
الفتاوي في مجلدين وهو كتاب لطيف. ثم تتابع الناس بعد ذلك في التأليف في
علوم القرآن الكريم فممن ألف في علوم القرآن الكريم أبو الحسن الأشعري ألف
كتابه "المختزل في علوم القرآن" وأبو الحسن توفي عام أربعة وعشرين
وثلاثمائة من الهجرة النبوية(324هـ) وهذا الكتاب لا أدري هل طبع الآن أو هو
موجود أو أنه مذكور في ضمن المخطوطات. من المؤلفات أيضاً في علوم القرآن
بمعناه الاصلاحي علماً على الفن المعروف: " فنون الأفنان في عجائب علوم
القرآن" وقد ذكر أحد الإخوة هذا الكتاب وهو لابن الجوزي -رحمه الله تعالى-
المتوفى عام سبعة وتسعين وخمسمائة من الهجرة النبوية وكتابه هذا مطبوع
ومتداول. من الكتب أيضاً كتاب " المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب
العزيز" لأبي شامة المقدسي المتوفي عام خمسة وستين وستمائة من الهجرة
النبوية، وهذا الكتاب مطبوع وموجود في المكتبات وهو محقق أيضاً حققه وليد
الطبطبائي فالكتاب من كتب علوم القرآن لكنه لم يستوعب جميع موضوعات علوم
القرآن بل ركز كثيراً على القراءة ونزول القرآن, قراءات القرآن ونزوله.

أيضاً من الكتب المشهورة في هذا الباب وهو من الكتب المشهورة
في كتب علوم القرآن كتاب البرهان في علوم القرآن لبدر الدين الزركشي
المتوفى عام أربعة وتسعين وسبعمائة من الهجرة النبوية وكتابه هذا يعتبر من
أحسن الكتب المؤلفة في علوم القرآن بل إن الإمام السيوطي -رحمه الله تعالى-
فرح به أشد الفرح ونستطيع أن نقول: إن السيوطي -رحمه الله تعالى- قد انتظم
هذا الكتاب بكامله يعني لم يدع منه شيئاً وأضاف عليه ما توفر له من كتب
أخرى، والزركشي -رحمه الله تعالى- لما ألف هذا الكتاب ذكر في مقدمته كلاماً
يوحي بأنه لم يجد كتاباً في علوم القرآن تقدمه يقول الزركشي -رحمه الله
تعالى- «ولما كانت علوم القرآن لا تنحصر ومعانيه لا تستقصى وجبت العناية
بالقدر الممكن ومما فات المتقدمين وضع كتاب يشتمل على أنواع علومه » فانظر
كأنه يريد -رحمه الله تعالى- أن يضع كتاباً لم يسبق إليه كما وضع الناس ذلك
«كما وضع الناس بالنسبة إلى علم الحديث فاستخرت الله تعالى وله الحمد في
وضع كتاب في ذلك جامع لما تكلم الناس في فنونه وخاضوا في نكته وعيونه
وضمنته من المعاني الأنيقة والحكم الرشيقة ما يهز القلوب طربا ويبهر العقول
عجبا ليكون مفتاحاً لأبوابه وعنواناً على كتابه ومعيناً للمفسر على حقائقه
ومطلعاً على بعض أسراره ودقائقه والله المخلص والمعين وعليه أتوكل وبه
أستعين وسميته البرهان في علوم القرآن وهذه فهرسة أنواعه» ثم ذكر الأنواع
نوعاً نوعاً حتى بلغ بها ستة أو سبعة وأربعين نوعاً هذا ما ذكره الزركشي
وختم المقدمة بقوله: " واعلم أنه ما من نوع من هذه الأنواع إلا ولو أراد
الإنسان استقصاءه لاستثرى عمره ثم لم يحكم أمره ولكن اقتصرنا من كل نوع على
أصوله والرمز إلى بعض فصوله فإن الصناعة طويلة والعمر قصير وماذا عسى أن
يبلغ اللسان تقصير قالوا: خذ العين من كل فقلت لهم في العين فضل ولكن ناظر
العين.هذ الكتاب الثاني من كتب علوم القرآن التي بين أيدينا.

أيضاً من كتب علوم القرآن كتاب "الإتقان في علوم القرآن"
لجلال الدين السيوطي وهو الذي قدمنا في بداية هذا الدرس أنه أشهر كتاب في
علوم القرآن والسيوطي -رحمه الله تعالى- كتب كتاباً قبل هذا في علوم القرآن
سماه "التحبير" ثم لما أراد أن يؤلف تفسيراً عظيماً أراد أن يجعل ذلك
الكتاب مقدمة لتفسيره ذلك وله تفسير مفقود لم يعثر الناس عيه إلى اليوم
يقال له مجمع البحرين وملتقى النهرين لم يدع شيئاً من التفسير المأثور إلا
ذكره بإسناده، السيوطي -رحمه الله تعالى- جعل هذا الكتاب الذي هو الإتقان
مقدمة لتفسيره للقرآن الكريم لكن بقي كتابه الآخر في التفسير الموجود والذي
قد طبع عدة طبعات يسمى الدر المنثور في التفسير المأثور وهو يقع في أحد
عشر مجلداً بطبعة قديمة ولما طبع حديثاً يقع في قريب من عشرين مجلداً هو
مختصر لذلك الكتاب السابق الذي ذكره -رحمه الله تعالى- وأشار إليه ولم نعثر
على شيء من خبره هذا الكتاب الإتقان يقول السيوطي -رحمه الله تعالى- في
بيان كيف ألف هذا الكتاب، يقول: «ولقد كنت في زمان الطلب أتأجه من
المتقدمين إذ لم يدونوا كتاباً في أنواع علوم القرآن كما وضعوا ذلك في
بالنسبة إلى علم الحديث" هذا يدلنا على أن السيوطي لم يكتشف بعد كتاب
البرهان ولم يطلع عليه ولم يكن خبره موجوداً عنده، قال فسمعت شيخنا أستاذ
الأستاذين وإنسان عين الناظرين أبا عبد الله محيي الدين الكافيجي مد الله
في أجله وأسبغ عليه ظله يقول: قد دونت في علم التفسير كتاباً لم يسبق إليه
فكتبته عنه فإذا هو صغير الحجم جداً يقصد هذا الكتاب وهو التيسير في قواعد
علم التفسير هذا للكافيجي ، الكافيجي يرى أو يعتقد أنه هو أول من دون في
علوم القرآن الكريم يقول السيوطي -رحمه الله تعالى- فإذا هو صغير الحجم جدا
وحاصل ما فيه بابان الأول في ذكر معنى التفسير والتأويل والقرآن والسورة
والآية والثاني: في شروط القول فيه بالرأي وبعدها خاتمة في آداب العالم
والمتعلم فلم يشف لي ذلك غليلاً ولم يهدني إلى المقصود سبيلاً، قال ثم
أوقفني شيخنا شيخ مشايخ الإسلام قاضي القضاة خلاصة الأنام حامل لواء المذهب
المطلبي يعني المذهب الشافعي علم الدين البلقيني -رحمه الله تعالى- على
كتاب في ذلك لأخيه جلال الدي البلقيني سماه: مواقع العلوم من مواقع النجوم
فرأيته تأليفاً لطيفاً ومجموعا ظريفاً ذا ترتيب تقريب وتنويع وتحبير ثم ذكر
خطبته في ذلك والأنواع التي تعرض لها، ثم ذكر بعد ذلك كيف حصل له كتاب
البرهان يقول: ثم ذكر -رحمه الله تعالى- السيوطي أنه ألف كتاباً سماه
التحبير قال وقد تم هذا الكتاب ولله الحمد من سنة اثنتين وسبعين يعني
ثمانمائة من الهجرة النبوية ثم خطر لي بعد ذلك أن أؤلف كتاباً مبسوطاً
ومجموعاً مضبوطاً أسلك فيه طريق الإحصاء وأمشى فيه على منهاج الاستقصاء هذا
كله وأنا أظن أني متفرد بذلك غير مسبوق بالخوض في هذه المسالك، فبينا أنا
أدير في ذلك فكراً أقدم رجلاً وأؤخر أخرى إذ بلغني أن الشيخ الإمام بدر
الدين محمد بن عبد الله الزركشي أحد متأخري أصحابنا الشافعيين ألف كتاباً
في ذلك حافلاً يسمى البرهان في علوم القرآن يعني أن كتاب السيوطي الإتقان
إنما جاء بعد كتاب البرهان وقد استفاد منه الفائدة العظمى قال: فتطلبته حتى
وقفت عليه فوجدته قد قال في خطبته إلى آخر ما ذكره عنه -رحمه الله تعالى-
قال: ولما وقفت على هذا الكتاب ازددت به سروراً وحمدت الله- سبحانه وتعالى-
كثيراً وقوي العزم على إبراز ما أضمرته وشددت الحزن في إنشاء التصويت الذي
قصدته فوضعت هذا الكتاب العلي الشان الجلي البرهان الكثير الفوائد
والإتقان ورتبت أنواعه ترتيباً أنسب من ترتيب البرهان وأدمجت بعض الأنواع
في بعض، لاحظوا معي أنه في التحبير ذكر مائة نوع لأنواع علوم القرآن لكنه
في الإتقان لم يذكر إلا ثمانين نوعاً لأنه أدمج بعضها في بعض من باب حسن
الترتيب والتبويب وضم النظير إلى النظير قال : وفصلت ما حقه أن يدار وزدت
على ما فيه من الفوائد والفرائض والقواعد والشواهد ما يشنف الآذان وسميته
بالإتقان في علوم القرآن، فهذه مقدمة أو شيء من مقدمة كتاب الإتقان.

أيضا من المؤلفات في هذا الباب وهي الكتب المؤلفة في علوم
القرآن كتاب "الفوز الكبير في أصول التفسير" لولي الله الدهلوي المتوفى
عام ستة وسبعين بعد المائة والألف من الهجرة النبوية وهذا الكتاب كتب
باللغة الفارسية وترجمه أحد المترجمين المعاصرين وهو كتاب من كتب علوم
القرآن وليس من الكتب المتميزة لكنه من الكتب التي ألفت بطريقة علوم القرآن
مصطلحاً على علم معين، هذا بالنسبة للكتب القديمة.

{يسأل: ما هي الشروط التي ينبغي أن تتوفر في مفسري هذا العصر
وإذ اختلف التفسير فأيهما يأخذ ؟}

الشروط التي يجب أن تتوفر في مفسر هذا العصر وغيره من العصور
واحدة، على كل واحد ممن يريد أن يقوم بهذا الدور يجب عليه أن يعرف هذه
الشروط ويتعلمها كيف ذلك؟ إذا وصلنا إلى شروط المفسر فنبين هذه الشروط
بالتفصيل، من ذلك العلم باللغة العربية. من ذلك العلم بالسنة النبوية. من
ذلك أيضاً معرفة القواعد والأصول الفقهية وأصول الأدلة لئلا يخلط الإنسان
في تفسيره . ويعرف القواعد التي تسلك في النظر في نصوص الكتاب الكريم وغير
ذلك من الشروط التي ذكرها أهل العلم مفصلة في كتب علوم القرآن وذكروها
أيضاً مفصلة في كتب أصول الفقه.

{نستعرض بقية الكتب المعاصرة يا شيخ}

الآن نصل إلى نهاية المطاف في ذكر الكتب المعاصرة بعد كتاب
السيوطي -رحمه الله تعالى- نكاد نقول: إنه ضعف التأليف في علوم القرآن
وقلَّ؛ ولعل السر في ذلك- والله أعلم- هو أن السيوطي -رحمه الله تعالى- قد
كتب كتاباً جامعاً فكأنه أسس من بعده، لكن المعاصرين- حفظ الله
الحي منهم ورحم الله الميت منهم- لما رأوا حاجة الناس إلى كتابة علوم
القرآن بلغة عصرية مناسبة للزمان وأيضاً فيها مناقشة لما استجد من القضايا و
المسائل التي يحتاج إليها كتبوا في علوم القرآن، فنذكر أهم هذه الكتب منها
كتاب: مناهل العرفان وهو من أفضل الكتب في هذا الباب وهو للشيخ محمد بن
عبد العظيم الزرقاني من علماء الأزهر كتب هذا الكتاب لطلاب كلية أصول الدين
ونقحه تنقيحاً جيداًً وركز فيه -رحمه الله تعالى- على إظهار محاسن الدين
ورد شبهات المعتدين، فهو يطيل في هذا الباب إطالة قوية بل لا نعرف أحداً
ممن كتبوا في علوم القرآن أطال في ذكر الشبهات مثلما أطال هذا الإمام وذلك
لأنه كان في وقت كثرت فيه الشبهات على كتاب الله -سبحانه وتعالى- خاصة من
جانب المستشرقين والمعجبين بهم الناقلين عنهم فانتـفض -رحمه الله تعالى-
للرد عليهم، فأحياناً يذكر في المبحث الواحد من مباحث علوم القرآن عشر
شبهات ثم يجهز عليها إجهازاً قوياً ولا يعني هذا أن إجاباته أو أنه كان
سليماً في كل ما يقول فإن طبيعة البشر أنهم يخطئون فقد كتب الدكتور خالد بن
عثمان السبر[السبت] كتاباً في بيان بعض الملاحظات على كتاب الزرقاني -رحمه
الله تعالى- مناهل القرآن في علوم القرآن، الزرقاني توفي عام ألف
وثلاثمائة وسبعة وستين من الهجرة النبوية.

من الكتب أيضاً لمؤلف معاصر متوفى كتاب: المدخل لدراسة علوم
القرآن الكريم وهو للشيخ محمد محمد أبو شهبة والذي نسمع له حلقات في شرح
صحيح البخاري في إذاعة القرآن.

من الكتب المشهوة أيضاً وهو من أشهر الكتب المعاصرة كتاب
شيخنا العلامة مناع القطان -رحمه الله تعالى- مباحث في علوم القرآن الكريم
وهذا الكتاب حقيقة استطاع أن يصوغ علوم القرآن بأسلوب يناسب أهل الزمان
وإلا فإن غالب المعلومات التي فيه انتقاها واختارها من كتاب الإتقان، كما
أنه عدل بعض القضايا العقدية التي تخالف منهج أهل السنة والجماعة عدلها
وصاغها بأسلوب على منهج أهل السنة والجماعة.

أيضاً من كتب علوم القرآن كتاب الدكتور صبحي الصالح واسمه
كاسم كتاب الدكتور مناع القطان: مباحث في علوم القرآن، هذه جملة من الكتب
المعاصرة المهمة في هذا المقام.

{فضيلة الشيخ من المآخذ التي تكلمتم فيها على بعض كتب علوم
القرآن عدم الاستيعاب لموضوعاته هل من الممكن استيعاب موضوعات علوم القرآن؟
ومن الذي قام بذلك؟

السؤال الثاني: هل لعقيدة المؤلف في هذا الفن- علوم القرآن-
تأثير فيما يكتب وعلى الطالب في هذا العلم ؟

السؤل الثالث: ما المنهجية المقترحة منكم في طلب هذا العلم؟}

{السلام عليكم ورحمه الله لو سمحت أود أن أسأل الشيخ: كتاب
التحبير في علوم التفسير هل هذا الكتاب في علوم القرآن وما الفرق بينه وبين
كتاب علوم القرآن؟}

السؤال الأول يقول: هل هناك مانع من استيعاب موضوعات علوم
القرآن؟ لا مانع من استيعابها بالصفة التي ذكرها العلماء ذكرنا أن كتاب:
الإتقان يكاد يكون قد استوعب أبواب علوم القرآن الكريم وكذلك في كتاب
البرهان استوعب كثيراً من هذه المباحث، فهذا قدمناه في كلامنا وقد بيناه -
إن شاء الله تعالى- لكن استيعابه على وجه التمام والكمال بحيث يذكر كل فن
وتذكر كل متعلقاته هذا لا شك يحتاج إلى عمر طويل ويحتاج إلى بحث شديد
ويحتاج إلى استكمال آلات قد لا تتوفر لكثير من الناس.

سؤاله الثاني يقول: هل لعقيدة المؤلف أثر في كتابه نقول: نعم ؛
لأن جملة من مباحث علوم القرآن مباحث عقدية في موضوع نزول القرآن، في
موضوع الوحي، في موضوع الناسخ والمنسوخ وغيرها من الموضوعات عقيدة المؤلف
لها أثر في هذا الميدان فمثلاً موضوع الناسخ والمنسوخ هناك من يخالف أهل
السنة في موضوع الناسخ والمنسوخ ويعتقد اعتقاداً باطلاً - سنأتي على ذكره
إن شاء الله تعالى- عندما نتحدث عن هذا الباب ، في إعجاز القرآن نجد أن
المعتزلة وبعض المتكلمين لهم مذهب باطل في هذا الباب يجب الرد عليه وهكذا
في جملة علوم القرآن الكريم.

أما سؤاله الثالث وهو يقول: ما هي المنهجية في دراسة علوم
القرآن؟

فأقول: المنهجية أن يأخذ الإنسان أحد الكتب المعاصرة المعروفة
مثل كتاب مباحث في علوم القرآن للشيخ مناع القطان مثلاً ويقرؤه وإن تيسر
أن يقرأه على إنسان متخصص في هذ الفن فإنه أفضل وإلا فإنه يقرأ بعض الكتب
المختصرة مثل كتاب مقدمة في أصول التفسير للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله
تعالى- فهو كتاب ميسر في هذا الباب وهناك أيضاً كتب كثيرة في السوق منهجية
ألفت لطلاب المدارس ونحوهم ميسرة وسهلة يمكن للإنسان أن يقرأها ثم يترقى
بعدها إلى الكتب التي هي أكثر معلومات منها ثم يصل بعد ذلك إلى كتابي
الإتقان والبرهان اللذان هما الغاية في كتب علوم القرآن.

أما السؤال الذي يقول: ما الفرق بين كتابي التحبير والإتقان؟

كتاب التحبير ألفه السيوطي -رحمه الله تعالى- ظناً منه أنه لم
يألف لم يكن هناك مؤلف جامع في علوم القرآن الكريم، فألف كتابه التحبير
وضمنه:
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
صقر
آحــلآمـ جـديـد
صقر


ادعيتك المختاره : سبحانك اللهم وبحمدك استغفرك واتوب اليك

المشاركات : 15
نقاط العضو : 21
تاريخ التسجيل : 18/05/2010

موسوعة:محاضرات علوم القرآن - 2- د. محمد الخضيري Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة:محاضرات علوم القرآن - 2- د. محمد الخضيري   موسوعة:محاضرات علوم القرآن - 2- د. محمد الخضيري Emptyالثلاثاء مايو 18, 2010 9:39 pm

علوم القرآن المستوى الأول

المحاضرة الأولى

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور
أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له،
وأشهد أن لا إله لا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله -
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً- اللهم لا سهل إلا
ماجعلته سهلاً وأنت تجعل الحزن - إذا شئت - سهلاً، أسأل الله - سبحانه
وتعالى بمنه وكرمه- أن يجعلني وإياكم ممن يطلبون العلم من المهد إلى اللحد
وأن ينظمنا في سلك العلماء العاملين والطالبين للعلم ما بقي فيهم نفس يتردد
أو عين تطرف.

أيها الأحبة: موضوعنا في هذه الحلقات وفي هذه الدروس المباركة
هو علوم القرآن، علوم القرآن من الموضوعات التي قلَّ طردها في هذا الزمان
وأصبحت شبه مهجورة في كثير من ميادين العلم وعلى أسماع الناس وهذا يؤكد
علينا جميعاً طلب هذا العلم والسعي في دراسته وإحياءه في الناس؛ لأن العلم
به- كما سيأتي إن شاء الله في درسنا- مهم جداً لمعرفة القرآن وحقيقـته،
ومهم جداً للرد على المناوئين والشانئين والمشككين في كتاب الله- سبحانه
وتعالى - وهو فرع من فروع الاعتقاد.

ثم أيها الأحبة العلم بالقرآن يقتضي أن يتعلم الإنسان علوم
القرآن؛ لأن الإنسان لا يمكن أن يفهم القرآن حق فهمه إلا بعد علمه بعلوم
القرآن، وقد مر علي بن أبي طالب برجل يعظ الناس ويذكرهم فقال: أتعرف ناسخ
القرآن من منسوخه؟ فقال: لا... قال: قم فإنما أنت ابن اعرفوني؛ يعني إنما
تريد بموعظتك وكلامك الشهرة فقط لا غير؛ لأنه لم يتعرف على ناسخ القرآن من
منسوخه .

ثم أيها الأحبة: هذا المجلس وغيره من مجالس العلم في هذه
الأكاديمية وغيرها هو من مجالس الذكر التي تَحُفها الملائكة، وتغشاها
الرحمة، وتنزل عليها السكينة، ويذكر الله أهلها فيمن عنده، ويقال لأهلها
بعد هذا المجلس: قوموا مغفوراً لكم، ويباهي الله - سبحانه وتعالى - بأهل
هذا المجلس ملائكته، فنسأل - الله سبحانه وتعالى- أن يجعل مجلسنا من هذه
المجالس وأن لا يحرمنا هذا الخير العظيم إنه ولي ذلك والقادر عليه .

إن عادة أهل العلم- أيها الأحبة- هي أنهم يبدؤون كل علم بذكر
مقدمات مهمة في ذلك العلم, فيا ترى ما هي هذه المقدمات التي يبدؤون بها.
عادة عندما يعرفون الناس بذلك العلم وتكون مدخلاً لفهم ذلك العلم؟ وقد نظم
هذه المقدمات وهذه المبادئ أحد الناظمين بقوله:



إن مبادئ كل علم عشــــرة *** الحد والموضوع ثم الثــمرة

ونسبته وفضله والواضــــع*** الاسم الاستمداد حكم الشــارع

مسائل والبعض بالبعض اكتـفى*** ومن درى الجميع حاز الشـرفا.

هذه المبادئ هي المبادئ العشرة التي يبتدئ العلماء بها ذكر أو
يقدم العلماء بها للعلوم التي يتحدثون عنها فمن عرفها- بتمامها وكمالها-
فقد استوعب ذلك العلم ومن عرف تلك المقدمات وجملاً منها فقد عرف شيئاً يميز
به هذا العلم عن غيره من العلوم.

هذه هي المبادئ العشرة لهذا العلم على وجه الإجمال.

{ ماهي أسماء القرآن وما حكمة تعددها؟ }

إن أسماء القرآن كثيرة جداً قد عد العلماء منها نيفاً وتسعين
اسماً ومنهم من بلغها المائة ولكن أشهرها - كما يقول العلماء- القرآن
والكتاب والذكر والفرقان والنور هذه الأسماء الخمسة هي أشهر أسماء القرآن
وأشهر هذه الأسماء الخمسة كما تعلمون من خلال قراءتكم لكلام الله - سبحانه
وتعالى - هو القرآن والكتاب ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ
مُبَارَكٌ
﴾ [ص: 29]﴿تِلْكَ آيَاتُ الكِتَابِ
[يونس: 1] إلى آخره من الآيات التي ورد فيها ذكر اسم القرآن واسم الكتاب
وحكمة تعددها - كما تعلمون - هو أن الشيء إذا كثرت أسماؤه دل على شرفه وعلو
منزلته، فلعلو منزلة القرآن وعظم مكانته كثرت أسماؤه . ثم هذه الأسماء كل
واحد منها يدل على معنى في ذاته وإن كانت جميعاً تتفق في أنها تدل على
القرآن من حيث هو. أي أن هذه الأسماء كل اسم قد تضمن وصفاً للقرآن لم
يتضمنه الاسم الآخر مع أنها جميعاً تدل على ذات القرآن الكريم.

ننتقل الآن إلى التعريف بعلوم القرآن:

كما قدمنا قبل قليل في المبادئ العشرة التي ذكرها العلماء
لـكل فن نأخذها واحداً واحداً وقد قدمتم ذكر معرفة الحد وهو ما يمكن أن
يطلق عليه باللغة المعاصرة: التعريف، فالتعريف بعلوم القرآن يتضمن التعريف
بكلمة "علوم" لغة واصطلاحها وكلمة "القرآن" لغة وشرعاً والتعريف بـ"علوم
القرآن" عَلَماً على فن معين؛ لأن عادة العلماء - رحمهم الله تعالى - أنهم
إذا كان اسم الفن مركباً تركيباً إضافياً فإنهم يعرفون كل جملة من هذا
المركب على حدة، ثم يعرفون المركب كاملاً مثل "أصول الفقه" مثلاً و"أصول
التفسير" و"علوم القرآن" فهذه الموضوعات أو أسماء الفنون مركبة تركيباً
إضافياً, إذن لابد أن نعرف كلمة "علوم" في اللغة والاصطلاح وكلمة "القرآن"
في اللغة والشرع ، ثم نُعرِّف هاتين الكلمتين علماً على هذا الفن المعين.

فلنبدأ أولاً بكلمة "العلوم" , العلوم: جمع علم, والعلم - كما
تعلمون- هو نقيض الجهل ويراد به إدراك الشيء على حقيقته ويطلق العلم على
مجموع مسائل وأصول كلية تجمعها جهة واحدة إذن العلم يطلق في الاصطلاح على
مجموع مسائل وأصول كلية تجمعها جهة واحدة مثل علم اللغة علم النحو علم
الفرائض علم الأصول علم الفقه إلى آخره فكل واحد من هذه العلوم فيه مسائل
وفيه قواعد كلية تجتمع في جهة واحدة.

ننتقل بعد هذا إلى تعريف القرآن في اللغة وتعريف القرآن في
الشرع ولم نقل: في الاصطلاح لأن القرآن اسم شرعي والأسماء الشرعية ينبغي
ألا يقال فيها: اصطلاحاً إنما تقال كلمة اصطلاحاً في الأسماء التي اصطلح
العلماء عليها وأحدثها الناس وتصالحوا عليها أما الكلمات التي جاء بها
الشرع فإنه يقال في تعريفها " تعريفها شرعاً" وكذلك كلمة القرآن فإنها كلمة
شرعية.

وبالنسبة لتعريف كلمة "القرآن" في اللغة: العلماء بعد اتقاقهم
على أنه اسم وليس بفعل ولا حرف اختلفوا هل هو جامد أو مشتق, والمعروف عند
النحاة أن الجامد هو الذي لا يتصرف مثل كلمة أسد فإن كلمة أسد كلمة جامدة
لا تتصرف يعني لا يأتي منها اسم الفاعل ولا اسم المفعول ولا فعل ونحو ذلك,
فمنهم من يقول: إن كلمة القرآن اسم جامد ، هكذا وضعت علماً على القرآن
الكريم وقد أخذ بهذا المذهب جماعة من أهل العلم وإن كانوا قلة , وآخرون
وهم الكثرة وهم جمهور العلماء أن القرآن مشتق أي مشتق من مصدر أو فعل, وقد
اختلف هؤلاء - القائلون بالاشتقاق- هل هو مشتق من مادة " قرن" فتكون النون
فيه أصلية أو من مادة " قرأ", فبعض العلماء يرى أنه مشتق من " قرن" لأن
القرآن قد قرنت سوره وآياته بعضها ببعض. وبعض العلماء يرى أنه مشتق من "
قرأ" فالهمزة فيه أصلية والنون زائدة على وزن غفران اسم مصدر على وزن
الغفران وهذا القول هو الذي عليه أكثر العلماء واختاره الزجَّاج من علماء
اللغة واللحياني - رحمة الله على الجميع- هذا بالنسبة لتعريف القرآن في
اللغة.

أما تعريف القرآن في الشرع: فإنه قد عرف بتعريفات كثيرة وهذه
التعريفات كلها تصب في قالب واحد لكن كل واحد من أهل العلم يلحظ ملحظاً
معيناً في تعريف القرآن الكريم لا يلحظه الآخر, والتدقيق في التعريفات
وإعطاؤها أكثر مما تستحق ليس من طريقة السلف لأن السلف - رحمهم الله- كانوا
يعنون بالحقائق أكثر من التعريفات فالتعريف- أيها الأحبة- إنما يراد به
التوصل إلى معرفة حقيقة الشيء ولذلك كان السلف يعرفون بالمثال أحياناً ولا
يضطرون إلى التعريف الذي يعرف عند المناطقة بالحد بمعنى أن يكون التعريف
جامعاً لأجزاء المحدود مانعاً من دخول غيره فيه وعليه فنحن نختار هذا
التعريف الذي نراه سهلاً وينطبق على القرآن الكريم انطباقاً جيداً.

فنقول في تعريف القرآن: هو كلام الله المنزل على محمد - صلى
الله عليه وسلم- المتعبد بتلاوته. هذا التعريف من عادة العلماء - رحمهم
الله- أنهم إذا ذكروا تعريفاً للشيء يشرحون التعريف ويذكرون محترزاته
فدعونا ننظر إلى شرح هذا التعريف وذكر محترزاته حتى نبين أنه منطبق على
القرآن ولا يدخل فيه غيره.

فأما كلمة "كلام الله المنزل على محمد", "كلام الله": خرج
بهذه الكلمة كلام الخلق من الملائكة والأنبياء والإنس والجن وغيرهم فإن
كلام هؤلاء ليس هو كلام الله تعالى.

العبارة الثانية: من هذا التعريف "المنزل" خرج بهذا كلام الله
- سبحانه وتعالى - الذي ينزله مما استأثر الله بعمله أو مما ألقاه على
ملائكته للعمل به.

العبارة الثالثة: "على محمد- صلى الله عليه وسلم" وهذا خرج
بها ما أنزل على غير محمد - صلى الله عليه وسلم -من الأنبياء السابقين فقد
أنزل الله - سبحانه وتعالى - على إبراهيم صحفاً وأنزل على موسى التوراة
وأنزل على عيسى الإنجيل وأنزل على داود الزبور فهذه كتب أنزلت على
رسل[أنبياء] سابقين ومحمد -صلى الله عليه وسلم- أنزل عليه القرآن .

وأما قولنا: "المتعبد بتلاوته" فقد خرج به الحديث القدسي فإن
الحديث القدسي كلام الله - سبحانه وتعالى - لكنه ليس متعبداً بتلاوته, وحتى
نوضح هذه العبارة توضيحاً تاماً نقول: إن مرادنا بقولنا "متعبد بتلاوة"
أمران:

الأمر الأول: أنه الذي يقرأ به في الصلاة فالمقصود بقولنا:
المتعبد بتلاوته أي الذي نقرأ به في الصلاة دون ما سواه فنحن في صلاتنا لا
نقرأ عند القيام إلا بالقرآن الكريم وهو الذي تعبدنا الله - سبحانه وتعالى -
بقراءته في الصلاة.

الثاني مما نريده بهذه الكلمة: أن الثواب على تلاوته لا يعدله
ثواب؛ ولذلك قال النبي- صلى الله عليه وسلم: (من قرأ حرفاً من كتاب الله -
سبحانه وتعالى - فله به حسنة والحسنة بعشرة أمثالها لا أقول: [الم] حرف
ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف) وهذا الحديث كما تعلمون فيه ثواب عظيم لمن
تلا القرآن وقرأه، هذا الثواب لا يناله إلا من قرأ القرآن لأنه أعلى
الكلام وأجله وأعظمه وهذا الكلام يقودنا إلى التفريق بين الحديث القدسي
وبين القرآن الكريم وقد ذكر العلماء - رحمهم الله تعالى - فروقاً كثيرة بين
القرآن وبين الحديث القدسي.

الفرق الأول: فهو أن القرآن وقع به التحدي وحصل به الإعجاز،
التحدي بأن يأتوا بمثل القرآن أو أن يأتوا بعشر سور من مثله أو يأتوا بسورة
من مثله أو حديث مثله أما الحديث القدسي فلم يقع به التحدي هذا هو الفرق
الأول بين القرآن وبين الحديث القدسي.

الفرق الثاني: أن القرآن منقول كله بالتواتر فمن جحد حرفاً
منه فقد كفر أما الحديث القدسي فمنه ما نقل بالتواتر وهو قليل جداً، ومنه -
وهو الأكثر- ما نقل بالآحاد وقد تعرفت في مصطلح الحديث على الفرق بين
المتواتر والآحاد والحديث القدسي بآحاده منه ما هو صحيح ومنه ما هو ضعيف
ومنه ما هو حسن أما القرآن فكله متواتر قد أجمع المسلمون على تلقيه وعلى
تواتر جميع ما فيه من كلمات وحروف حتى الضبط والشكل فيه مجمع عليه ومتواتر
فيه .

الفرق الثالث : أن القرآن من عند الله لفظاً ومعنى أما الحديث
القدسي فمعناه قطعاً من عند الله - سبحانه وتعالى - وإلا فكيف ينسبه النبي
- صلى الله عليه وسلم- إلى الله -جل وعلا أما لفظه فقد اختلف فيه لذلك
النبي - صلى الله عليه وسلم- يقول في الحديث القدسي أو الرواة يذكرون في
الحديث القدسي يقولون : عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن
ربه.

الفرق الرابع: القرآن لا ينسب إلا إلى الله فيقال قال الله -
عز وجل- أما الحديث القدسي فيقال قال الله تعالى أو يقال قال النبي - صلى
الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه.

الفرق الخامس: أن القرآن لا يمسه إلا المطهرون وسيأتينا - إن
شاء الله- بحث هذه القضية في أحكام المصحف في آخر هذه الدروس - بإذن الله
جل وعلا- أما الحديث القدسي فيمسه الطاهر وغيره حتى الجنب يجوز له أن يمس
الكتاب الذي فيه أحاديث قدسية أو الورقة التي فيها أحاديث قدسية.

أيضاً من الفروق أما أن القرآن تحرم روايته بالمعنى أما
الحديث القدسي فيجوز لمن عرف معناه أن يرويه بالمعنى.

ومن الفروق أيضاً التي ذكرها العلماء بين القرآن والحديث
القدسي أن القرآن له رسم خاص معروف وقد اختلفوا هل يجوز لأحد أن يكتب
القرآن بغير الرسم الذي وضع عليه في عهد عثمان - رضي الله عنه - أو لا ؟
هذا سيأتينا - إن شاء الله - في مبحث خاص في رسم القرآن الكريم.

أما الحديث القدسي فيكتب بأي صفة شاء الناس إذا كان ذلك
مطابقاً للفظ النبي- صلى الله عليه وسلم- والمعنى المراد منه.

ومن الفرق التي تذكر في ذلك المقام أن القرآن تشرع له
الاستعاذة عند التلاوة والبسملة في أول السور بخلاف الحديث القدسي فلا يشرع
فيه ذلك.

ثم إن القرآن تسمى الجملة منه آية وتسمى جملة الآيات منه سورة
أما الحديث القدسي فلا يسمى شيء منه لا آية ولا سورة. هذه جملة من الفروق
بين الحديث القدسي والقرآن جر الحديث إليها ذِكْرُ الفرق بين القرآن
والحديث القدسي من خلال التعريف الذي عرفنا به القرآن.

{ ما هو أفضل الكتب في علوم القرآن؟ }

الحقيقة أن الكلام على أفضل الكتب في علوم القرآن أو في تفسير
القرآن ينبني على معرفة السائل, فإن السائل إذا كان من طلاب العلم
المتمكنين يقال له: أفضل الكتب في علوم القرآن مثلا كتاب الإتقان في علوم
القرآن للإمام جلال الدين السيوطي- رحمه الله تعالى- المتوفي في عام 1190
وإن كان الطالب من المبتدئين فهناك كتب معاصرة في علوم القرآن من أفضلها -
فيما أرى- كتاب "مباحث في علوم القرآن" لشيخنا: مناع القطان وكذلك كتاب
"دراسات في علوم القرآن" للشيخ الدكتور فهد الرومي، وكذلك نقول هذا الجواب
في تفسير القرآن الكريم فإن تفسير القرآن الكريم إذا سئلنا عن أفضل تفسير
نقول من السائل؟ وماذا تريد من التفسير؟ فإذا كان السائل من طلاب العلم
المتمكنين قلنا له: تفسير الطبري. وإن كان من طلاب العلم المتوسطين قلنا
له: تفسير ابن كثير. وإن كان من طلاب العلم المبتدئين قلنا له: عليك بتفسير
الشيخ عبد الرحمن السعدي أو التفسير الميسر الذي أصدره مجمع الملك فهد
لطباعة القرآن الكريم .

{ متى نقول اصطلاحاً ومتى نقول شرعاً؟ }

يقال شرعاً في الكلمات التي وردت على لسان الشارع أو الشرع
مثل كلمة الصلاة والزكاة والصوم والحج والقرآن غيرها من الكلمات التي جاء
بها الشارع الحكيم فهذه يقال في تعريفها شرعاً لأن المراد معرفة الحقيقة
الشرعية وأما إذا كانت الكلمة كلمة اصطلاحية يعني اصطلح العلماء عليها
وجاءوا بها ليعرفوا شيئاً معيناً فنقول اصطلاحاً مثل كلمة علوم وكلمة صوم
وكلمة فرائض مثلاً أو نحوها من الكلمات التي يذكرها العلماء في كتب العلم.

بعد أن عرفنا علوم القرآن أو عرفنا كل جزئية من هذا المركب
وهو كلمة "علوم" وكلمة " قرآن" نأتي إلى تعريف علوم القرآن عَلَماً على
هذا الفن المعروف عند أهل العلم وهو علوم القرآن ماذا نعني بعلوم القرآن؟
حقيقة لا بد أن نجلي هذه القضية في هذا المكان حتى نعرف العلم الذي سندرسه
ولئلا يختلط علينا بعلوم أخرى ؛ لأن كلمة علوم القرآن يمكن أن تستعمل علماً
على فن معين وهو الذي نريده في هذا المقام ويمكن أن تستعمل في معنى آخر،
معنىً إضافياً وهو العلوم التي جاء بها القرآن فعلم العقيدة من علوم القرآن
وعلم الفقه من علوم القرآن وعلم الفرائض من علوم القرآن لأن القرآن جاء
بالدلالة عليها وعلم السلوك والتربية من علوم القرآن لأن القرآن حث على
تعلمها وعلى العمل بها وبين قواعدها وأصولها فليس هذا هو المراد عندما
نتحدث عن علوم القرآن إنما نريد به ما اصطلح عليه العلماء - رحمهم الله
تعالى - ويمكن أن نختار هذا التعريف من بين تعريفات كثيرة ذكرها أهل العلم
في هذا المقام فيقال في تعريف علوم القرآن:

مباحث تتعلق بالقرآن الكريم من ناحية نزوله وجمعه وقراءاته
وناسخه ومنسوخه ومكيّه ومدنيّه ونحو ذلك, فهي مجموعة البحوث التي تدرس في
هذا العلم ليعرف من خلالها القرآن كيف نزل؟ كيف جمع؟ كيف كتب؟ كيف ضبط؟ كيف
كان حال ناسخه ومنسوخه؟ كيف أمثاله وقصصه؟ كيف رسمه؟ كيف تكون قراءته وعلى
أي شيء؟ ما المراد بالأحرف السبعة؟ ونحو هذه المباحث التي يدرسها العلماء -
رحمهم الله تعالى - في هذا الفن الخاص. وبهذا نكون قد ميزنا بين أمرين
مهمين: علوم القرآن علماً على فن معين وهو الفن الذي سنتفرغ لدراسته في هذا
الفصل الدراسي- نسأل الله التوفيق والسداد , وعلوم القرآن بمعنى العلوم
التي دل عليها القرآن أو وردت في القرآن أو حث القرآن على تعملها فهذه ليست
مرادة لنا في هذا الدرس.

{ هل هناك حديث قدسي موضوع؟ }

نعم كما أن هناك حديثاً نبوياً موضوعاً بمعنى أن هناك أحاديث
وضعت عن النبي- صلى الله عليه وسلم - كذلك هناك أحاديث قدسية وضعت في هذا
المقام ولعل أخي السائل يراجع الكتب الخاصة بالأحاديث الموضوعة ككتاب
"اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة" للإمام السيوطي وكتاب الشوكاني -
رحمه الله - الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة ليعرف الأحاديث التي
ذكرت نبويةً كانت أو قدسيةً وحكم عليها العلماء بالوضع لأن الوضاعين لا
يفرقون عندما يريدون أن يكذبوا على النبي - صلى الله عليه وسلم- أو يكذبوا
على الله -جل وعلا.

القضية الثانية من قضايا المبادئ العشرة التي تحدثنا عنها في
أول هذه الحلقة لنُعرِّف بهذا العلم قلنا في المبادئ العشرة

إن مبادئ كل علم عشــــرة *** الحد والموضوع ثم الثــمرة

ونسبته وفضله والواضــــع***

الحد والموضوع. الموضوع ما هو؟ موضوع كل شيء ما يبحث فيه
فمثلاً موضوع الفقه ما هو؟ هو الأحكام الشرعية لأنه يبحث في الأحكام
الشرعية الفرعية أحكام الصلاة أحكام الزكاة أحكام الصوم أحكام الحج. موضوع
علم الطب ما هو؟ هو بدن الإنسان من حيث الحفاظ على سلامته ووقايته من
الأمراض ومن حيث مداواته وشفائه. موضوع علوم القرآن هو القرآن الكريم من
حيث بيان نزوله وجمعه ومكيِّه ومدنيِّه ورسمه وقصصه وأمثاله وناسخه
ومنسوخه. وحقيقة القرآن ما هي؟ أنه كلام الله - سبحانه وتعالى - الذي أوحاه
إلى جبريل ونزل به جبريل - عليه الصلاة والسلام- على محمد - صلى الله عليه
وسلم- فهذا هو موضوع علوم القرآن.

{ هل الأفضل أن أقول هذا مصحف عند الإشارة إلى كتاب الله
تعالى أو هذا قرآن؟ }

لا مانع من الإشارة به بأي العبارتين أن تقول هذا مصحف فتريد
الصحف والجلد والمداد ومجموع هذا كله أو تقول: قرآن تريد بذلك أهم ما في
هذه الصحف وهو القرآن المكتوب الذي أنزله الله - سبحانه وتعالى- على نبيه
محمد- صلى الله عليه وسلم .

ننتقل بعد ذلك إلى القضية الثالثة من المبادئ، وهي ثمرة تعلم
القرآن ، فقد ذكرنا

إن مبادئ كل علم عشــــرة *** الحد والموضوع ثم الثــمرة

فيا ترى ما هي الثمرة التي نجنيها عندما ندرس علوم القرآن
وعندما نحضر هذه الدروس وعندما نقرأ في الكتب المتخصصة في علوم القرآن
الكريم ؟ إن الـثمرات كثيرة جداً، ولعلي أشير إلى أبرزها وأهمها.

فأما أول هذه الثمرات ، هي فهم معاني القرآن: إن الإنسان لن
يفهم القرآن حق الفهم ولن يستفيد حق الاستفادة ولن يستطيع تفسير كلام الله -
جل وعلا- على الوجه الصحيح اللائق بكتاب الله -جل وعلا- إلا عندما يتعلم
علوم القرآن الكريم. فكيف يا إخواني يمكن لإنسان أن يفسر آية ولا يبين أنها
ناسخة أو منسوخة!! كيف يمكن أن يعرف الفرق بين المكي والمدني! كيف يمكن أن
يفسر آية وهو لا يدري ما سبب نزولها ! كيف يمكن أن يحمل آية من القرآن
الكريم على سبب من الأسباب ولها سبب آخر مغاير! لذلك السبب الذي حملها عليه
لا يدريه ولا يعلمه؟ لا يمكن للإنسان أن يقوم بهذا حقاً حتى يتعلم علوم
القرآن ويعرف هذه البحوث التي سنتحدث عنها في دروسنا - بإذن الله سبحانه
وتعالى .

الفائدة الثانية أوالثمرة الثانية التي يجنيها من يتعلم علوم
القرآن: الدفاع عن القرآن ورد شبهات المغرضين حوله.

ذلكم أنه يتعرض القرآن كما يتعرض الإسلام ، بل يتعرض الرب -
سبحانه وتعالى - لسب وشتم الخلق فالقرآن أيضاً يتعرض لشبهات يكيدها ويقولها
الحاقدون عليه ومنهم المستشرقون في هذا العصر الذي ابتلي الناس فيه
بكتاباتهم وابتلي المسلمون وبعض من يسمون بالمثقفين ممن لا يدرون العلم
الشرعي ولا يعرفونه ولم يطلبوه من أماكنه الصحيحة بالتلقي عن هذه الكتب
التي فيها دسٌّ كثير مثل الذي كتبه جولدتسيهر عن القرآن الكريم فقد تكلم
وذكر شبهات كثيرة تنطلى على ضعاف العقول ومن كانت معلوماتهم في القرآن
الكريم ضحلة.

من درس علوم القرآن حق الدراسة وفهم هذه العلوم حق الفهم فإن
هذه الشبهات لا يمكن أن تنطلي عليه بل يمكن أن يكون الإنسان شجناً في حلوق
هؤلاء وسهماً مسدداً في نحور هؤلاء يرد عليهم ويذب عن كلام الله - سبحانه
وتعالى - كما فعل مثلاً الشيخ عبد الفتاح القاضي - رحمه الله تعالى- عندما
رد على جولدتسيهر شبهاته المغرضة حول القرآن الكريم في كتاب مستقل في هذا
الخصوص وكما فعل أيضا عبد العظيم الزرقاني في كتابه القيم مناهل العرفان في
علوم القرآن عندما ختم كثيراً من بحوث علوم القرآن في كتابه القيم بذكر
شبهات هؤلاء المغرضون ورد عليها رداً قوياً علمياً مأصلاً يعرفك بأهمية
دراسة علوم القرآن.

الفائدة الثالثة من فوائد دراسة هذا الفن: أن يعرف الإنسان
القرآن على حقيقته وكيف وصل إلينا ؛ لأن بعض الناس يقول: هل كتب القرآن
بهذه الطريقة في عهد النبي- صلى الله عليه وسلم؟ هل هذه الطريقة التي وصل
القرآن إليها بها هي الطريقة التي كتب عليها القرآن تماماً سواءاً بسواء
منقوطاً مضبوطاً بالشكل الفتحة والضمة والأحزاب والأثمان والأرباع والأجزاء
وغيرها؟ إن معرفتك بعلوم القرآن تزيدك علماً بالكيفية التي وصل إلينا بها
القرآن الكريم.

الفائدة الرابعة من فوائد تعلم علوم القرآن: إدراك الجهود
التي بذلت في حق القرآن الكريم فهذا القرآن بذل المسلمون في حفظه والعناية
به جهوداً عظيمة جداً لا يمكن للإنسان أن يعرفها إلا من خلال دراسته لعلوم
القرآن الكريم. يكفي أن تجد في المبحث الواحد من مباحث علوم القرآن الكريم
عشرات من الكتب: انظر مثلا في ناسخ القرآن ومنسوخه كم عدد الكتب التي كتبها
العلماء منذ القرن الثاني الهجري إلى اليوم؟ إنها كتب كثيرة لا تكاد تقع
تحت الحصر انظر إلى الكتب التي كتبت في نزول القرآن أو أسباب نزوله إنها
كثيرة جداً وغير ذلك. فَتَعَلُمِنَا لعلوم القرآن يعرفنا بالجهود التي بذلت
وبذلها علماء المسلمين في حفظ هذا القرآن والعناية به ولفت الأنظار إليه
وبيان معانيه وإزالة كل مشكلة عنه. وعلى المسلمين أن يسلكوا نهج أسلافهم في
العناية بالقرآن تلك العناية التي عني بها العلماء.

{ هل يجوز للشخص أن يفسر القرآن بدون تعلم علوم القرآن ؟ }

لا يجوز للمسلم أن يفسر القرآن وليس عنده علم بعلوم القرآن
الكريم؛ لأن القرآن كلام الله-جل وعلا - ولا يجوز لأحد أن يتخوض في كلام
الله - جل وعلا- دون بينة. قال الله - جل وعلا- ﴿وَلاَتَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَوَالْبَصَرَوَالْفُؤَادَ
كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً
﴾ [الإسراء: 36] ومعنى
قوله ﴿وَلاَتَقْفُ مَا لَيْسَ
لَكَ بِهِ عِلْمٌ
﴾أي لا تتبع ولا تقل شيئاً
ليس لك به علم فلا يجوز للإنسان أن يتبع شيئاً ليس عنده به علم أو يقول
شيئاً من دون علم فقال الله- جل وعلا -﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ
رَبِّيَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا
وَمَا
بَطَنَ
وَالإِثْمَوَالْبَغْيَ
بِغَيْرِ الحَقِّ
وَأَن تُشْرِكُوا
بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً
وَأَن
تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ
﴾ [الأعراف آية: 33]
قال العلماء إن الله - سبحانه وتعالى - قد رتب الآثام والذنوب في هذه
الآية بدءاً من الأصغر وانتهاءً بالأعظم. فأعظم الذنوب وأجلها: القول على
الله بغير علم, حتى المشرك الذي أشرك مع الله غيره لم يشرك إلا بعدما قال
على الله بغير علم وجعل لهذه الآلة التي يعبدها من دون الله -جل وعلا- حقاً
في العبودية وحقاً في الربوبية. فلا يجوز للمسلم أن يتخوض في تفسير القرآن
دون أن تكون معه الآلة التي يعرف بها تفسير القرآن ويحق له بها أن يتكلم
في تفسير القرآن، ومن أعظم الآلات في هذا الميدان هي تعلم علوم القرآن
الكريم كما قلت لكم في مقدمة وفي مطلع هذا الدرس أن علي بن أبي طالب - رضي
الله عنه- مر على رجل يعظ الناس أي يعملهم في المسجد ويذكرهم فقال له:
أتعرف ناسخ القرآن من منسوخه؟ قال: لا.. قال: اسكت يا هذا إنما أنت ابن
اعرفوني. يعني: إنما قمت هذا المقام ليعرفك الناس فليس عندك علم تعلمه
الناس لأنك لا تعرف ناسخ القرآن من منسوخه فقد يقرأ الإنسان آية ويفتي
بمضمونها وهي منسوخة قد جاء في القرآن ما يزيل حكم هذه الآية.

{ هل يجوز الاستدلال بآية قرآنية بالمعنى إن نسيها؟ }

لا يجوز رواية القرآن بالمعنى ؛ لأن القرآن من القدسية
والمكانة بحيث لا يجوز للإنسان أن يتلوه بالمعنى لكن لا يمنع أن يقول
الإنسان وردت آية في القرآن مضمونها كيت وكيت أما أن يقول فيما معناه ويذكر
الآية فإن هذا تحريف للقرآن والقرآن يجب أن يصان من حيث لفظه ومن حيث
معناه أما إن قال: هناك آية في القرآن تدل على كذا فهذا لا شيء فيه؛ لأن
الإنسان قد يحفظ معنى الآية بمعنى مضمونها يعني هناك آية في القرآن تحرم
الزنا هناك آيات في القرآن فيها ذكر الوصايا العشر يجب على كل مسلم
احترامها. بهذه الطريقة لا بأس أما أن يقول آية فيما معناها ويخلط الآية
بألفاظها ومعانيها فهذا لا يجوز.

فضل علوم القرآن الكريم:

لست بحاجة إلى الإفاضة في هذا المقام لأن فضل الشيء بفضل ما
فيه, فشرف العلم بشرف المعلوم والمعلوم في علوم القرآن هو القرآن, والقرآن
كما تعلمون فضله لا ينكره أحد من المسلمين، بل إن القرآن هو كلام الله -
سبحانه وتعالى - وفضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خلقه - سبحانه
وتعالى - فينبغي أن يُعلم أن فضل علوم القرآن متعلق بفضل القرآن الكريم فمن
أراد أن يتعلم علوم القرآن فليستـشعر أنه إنما يريد بذلك تعلم القرآن
الكريم.

ننتقل بعد ذلك إلى اسم علوم القرآن الكريم ؟

ماذا يسمى هذا العلم؟

هذا العلم يسمى علوم القرآن الكريم، ويسمى أيضا اسما آخر
موجوداً عند أهل العلم وهو أصول التفسير أو قواعد التفسير , وقد ألف بعض
العلماء - رحمهم الله تعالى - كتباً في علوم القرآن الكريم سموها بهذا
الاسم مثل كتاب الطوفي "الإكسير في علوم التفسير" ويقصدون بذلك علوم القرآن
الكريم يسمونها علوم التفسير.

إذن له اسمان معروفان عند أهل العلم علوم القرآن وعلوم
التفسير.

ننتقل بعد هذا- أيها الأحبة- إلى استمداد علوم القرآن الكريم
ممَ يستمد هذا العلم ؟

يستمد هذا العلم من القرآن، ويستمد أيضاً من السنة ويستمد من
أقوال الصحابة - رضوان الله عليهم- فهذه هي المجالات التي نستمد منها علوم
القرآن الكريم .

ثم ننتقل بعد ذلك إلى حكم تعلم القرآن الكريم.

علوم القرآن الكريم من فروض الكفايات. والمقصود بفروض
الكفايات يعني إذا قام من المسلمين من يكفي بتعلم هذا العلم سقط الإثم عن
الباقي فلا يلزم كل المسلمين أن يتعلموا علوم القرآن الكريم بل إذا قام به
من يكفي من المسلمين سقط الإثم عن الباقي وهكذا يقال في سائر العلوم التي
ليست من الضروريات فتعلم مثلا ما تقوم به صلاة الإنسان هذا فرض عين على كل
مسلم؛ لأن كل مسلم مطالب بالصلاة في اليوم والليلة خمس مرات فيقال فيها:
فرض عين أي فرض متعين على كل فرد من أفراد المسلمين أما إذا كان العلم
واجباً على جماعات من المسلمين دون آخرين فيقال في حقه: فرض كفاية.

ثم ننتقل بعد هذا إلى نشأة علوم القرآن الكريم.

والحديث عن نشأة علوم القرآن الكريم طويل جدا وسنقسمه بين هذه
المحاضرة والمحاضرات القادمة- إن شاء الله تعالى- لكن نقدم له ببعض
المقدمات: هذا العلم موجود منذ عهد النبي - صلى الله عليه وسلم- فبدايته مع
نزول القرآن الكريم؛ لأن المقصود من هذا العلم معرفة كيف نزل القرآن كيف
أوحى الله سبحانه إلى جبريل؟ وكيف أنزله الله - سبحانه وتعالى - من اللوح
المحفوظ إلى السماء الدنيا؟ وكيف نزل به جبريل إلى النبي - صلى الله عليه
وسلم؟ وكيف جمع الصحابة هذا القرآن ؟ وكيف كان النبي- صلى الله عليه وسلم-
يأمر الصحابة بكتابة القرآن ؟ من هنا بدأت علوم القرآن لكنها لم تكن في عهد
النبي- صلى الله عليه وسلم- مدونةً؛ لأنها كانت جزءاً من تاريخ هذا القرآن
وتنزله, ولم يكن تدوين العلوم في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم- بل إن
النبي- صلى الله عليه وسلم- نهى عن كتابة شيء سوى القرآن الكريم قال ( من
كتب عني شيئاً سوى القرآن فليمحه ) وذلك احتياطاً للقرآن لئلا يختلط بغيره
وليضبط المسلمون كتاب الله - جل وعلا - دون أن يلتبس بغيره من كلام رسوله -
صلى الله عليه وسلم- أو مما يكون تفسيراً لهذا القرآن الكريم ثم استمر
الأمر على ذلك في عهد الصحابة - رضوان الله تعالى عليهم- لأن الصحابة لم
يدونوا شيئاً من علوم القرآن الكريم؛ أولاً: لأمية أكثرهم وثانياً: لقلة
توافر أدوات الكتابة فقد كانوا يكتبون القرآن - الذي هو المقصود الأعظم-
على اللخاب وعلى أوراق الشجر وعلى الجلود وعلى العظام والأكتاف وهذه
الأدوات يصعب توفرها لكتابة ما سوى القرآن الكريم ثم أيضا انشغالهم بنشر
الإسلام فلأجل ذلك كان الصحابة - رضوان الله عليهم- لم يكتبوا شيئاً من
علوم القرآن الكريم لكنهم كانوا معنين بعلوم القرآن وكانوا حريصين أشد
الحرص على ضبط علوم القرآن أشد الضبط ، استمع لابن مسعود - رضي الله عنه-
وهو يقول: في الحديث الذي رواه البخاري عنه: " والله الذي لا إله غيره ما
نزلت سورة من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت ولا أنزلت آية من كتاب الله
إلا وأنا أعلم فيما أنزلت ولو أعلم أحداً أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل
لركبت إليه " .

تصور هذه الدقة في معرفة ابن مسعود- رضي الله عنه - لعلوم
القرآن يعرف الآية النازلة أين نزلت، ويعرف في أي شيء نزلت، ويعرف فيمن
نزلت، ولو أنه يعلم أحداً أعلم منه بكتاب الله - سبحانه وتعالى - تبلغه
الإبل لذهب إليه وهاجر في طلب العلم مما يدل على أنهم كانوا حريصين أشد
الحرص على تعلم علوم القرآن وحفظ هذه العلوم بكل دقائقها فقد استوعبوها في
صدورهم وحفظوها في قلوبهم ونقولها لهذه الأمة نقلاً تاماً لا يخلو منه شيء.
وهذا علي بن أبي طالب - رضي الله عنه- الذي كان يثني عليه عمر بن الخطاب
بقوله قضية ولا أبا حسن لها، يقول علي - رضي الله عنه - وهو على المنبر:
"سلوني فوالله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم واسألوني عن كتاب الله فوالله
ما من آية إلا أنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل" تصوروا -
أيها الإخوة- كيف أن الصحابة- رضوان الله تعالى عليهم- كانوا شديدي
العناية بمعرفة حتى أماكن نزول القرآن على السهل والجبل في الليل والنهار
في الصيف والشتاء في الحرب أو السلم أو غير ذلك فما بالكم ببقية علوم
القرآن الكريم من الناسخ والمنسوخ والقصص والأخبار والأحكام والأمثال
وغيرها, ومما يؤكد ذلك أن الصحابة - رضي الله تعالى عنهم- اشتهر منهم
بالتفسير جماعة ونقل عنهم هذا التفسير. فممن نقل عنهم هذا التفسير: أبو بكر
- رضي الله عنه- وعمر وعثمان وعلي وابن عباس وهو أشهر من نقل عنه التفسير
حتى يكاد تفسيره أن يكون شاملاً للقرآن كله ومنهم أيضا ابن مسعود وأبيُّ
بن كعب وأبو موسى الأشعري وزيد بن ثابت وعائشة - رضي الله تعالى عنها- وعبد
الله بن الزبير هؤلاء كلهم ممن نقل عنهم في التفسير واشتهر عنهم الرواية
في تفسير القرآن مما يدل على أنهم كانوا معنين أشد العناية بفهم القرآن
والعناية به ولم يكن تفسيرهم تفسيراً مجرداً للمعاني بل كان يتضمن ذكر
الغيب ويتضمن مكان النزول وسبب النزول وموضوع الآية والأمثال والقصص وغير
ذلك.

{ هل يعد علم التجويد من علوم القرآن ؟ }

نعم هو بالمعنى العام من علوم القرآن لكن العلماء - رحمهم
الله تعالى - اصطلحوا على إفراد علم التجويد بفن مستقل ولذلك يدرس علم
التجويد مستقلاً عن علوم القرآن الكريم فنجد أن المؤلفات التي ألفت في علوم
القرآن لا تتضمن الدروس المعروفة في علم التجويد وذلك؛ لأن التجويد علم
يتصل بالأداء وكيفيته وطرائق قراءة القرآن الكريم والطريقة النبوية لتلاوة
كلام الله - سبحانه وتعالى - ولأنه طويل وفيه ذيول وأبواب وفصول مختلفة فإن
العلماء جعلوه علماً مستقلاً لكنه في الجملة يدخل من حيث العموم في علوم
القرآن الكريم.

{ أحسنت يا فضيلة الشيخ ، لو تكرم بإعادة هذه الأبيات لأن لي
عدة أسئلة؟ }

إن مبادئ كل علم عشــــرة *** الحد والموضوع ثم الثــمرة

ونسبته وفضله والواضــــع*** الاسم الاستمداد حكم الشــارع

مسائل والبعض بالبعض اكتـفى*** ومن درى الجميع حاذ الشـرفـا

{ فوائد تعلم علوم القرآن الكريم جملة؟ }

فوائد تعلم علوم القرآن الكريم التي قدمناها لكم كثيرة جداً
ولكن نلخص منها هذه الخمسة أولا: فهم معاني القرآن فلا يمكن أن يفهم القرآن
حق الفهم من لم يتعلم علوم القرآن الكريم.

الثاني: الدفاع عن القرآن ورد شبهات المغرضين نحوه.

الثالث: درء التعارض وحل المشكل، فإنه قد ترد أحيانا أشياء
يظن الإنسان أنها متعارضة في القرآن الكريم ومشكلات لا يستطيع الإنسان أن
يفهمها لضعف علمه بعلوم القرآن الكريم فإذا تعلم علوم القرآن الكريم ذهب
ذلك التعارض الذي وقع في قلبه واندفع الإشكال.

الرابع: المعرفة التامة بالقرآن وكيف وصل إلينا والطريقة التي
وصل القرآن إلينا بها.

الخامس: إدراك الجهود التي بذلت لحفظ هذا القرآن الكريم وبيان
جميع مضامينه ومعانيه وما فيه وأن الأمة قد عنيت بذلك أتم العناية فعلى
المسلمين جميعاً أن يواصلوا العناية بالقرآن فإنه لا عز للمسلمين ولا رقي
لهم ولا مجد إلا بالذي حصل لأوائلهم فمتى عدنا إلى هذا القرآن عاد إلينا
بالخير قال النبي - صلى الله عليه وسلم : ( إن الله ليرفع بهذا الكتاب
أقواماً ويضع به آخرين ).

وانظروا إلى حالنا - أيها الأحبة- لما نبذ المسلمون في هذا
العصر القرآن وطرحوه خلف ظهورهم واتجهوا يبحثون عن فتات موائد الأمم الأخرى
ساروا من أراذل الناس ومن أقل الأمم ومن أهونها على الخلق, ولما كانوا في
الزمن السابق مهتمين بالقرآن عاملين به متعلمين له يدورون حيثما دار كانوا
أصحاب عز وأصحاب رقي وأصحاب حضارة في الدين والدنيا وكان لهم من وراء ذلك
الأجر الأخروي العظيم الذي لا يقدر مقداره ولا يعلم منتهاه إلا الله -
سبحانه وتعالى .

{ هل لا بد من معرفة مبادئ اللغة قبل دراسة علوم القرآن ؟ }

قبل دراسة علوم القرآن لا يلزم الإنسان أن يكون متبحراً في
اللغة لكن لا بد له أن يعرف قدرا من اللغة يستطيع به الخوض في علوم القرآن
الكريم أما إذا كان يريد أن يفسر القرآن فلا بد أن يكون متمكنا في اللغة
العربية لأن تفسير القرآن ينبغي على الإنسان فيه أن يكون عارفاً باللغة
التي نزل بها أما علوم القرآن فلا يلزم فيه ذلك يعني يكون متبحراً متمكناً
في اللغة العربية لكن يلزمه أن يكون عنده قدر أولي من علوم اللغة يستطيع به
فهم مصطلحات هذا العلم ومعرفة مراميه مثلا إذا جاء إلى كلمة " النسخ "
النسخ في اللغة ما معناه هذا يحتاج إلى علم باللغة إذا جاء إلى كلمة " مثل "
هذه الكلمة لها معانٍ في اللغة ولها معاني عند البلاغيين ينبغي على
الإنسان أن يكون عنده علم بهذه المعاني حتى يستطيع أن يفهم هذا العلم على
صورته الصحيحة وحقيقته اللائقة.

{ أرجو توضيح الفرق بين تعريف القرآن وبين المصحف؟ }

القرآن الكريم: هو كلام الله - سبحانه وتعالى - الذي أنزله
على محمد - صلى الله عليه وسلم- فالقرآن هو ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
العَالَمِينَ* الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾

أما المصحف: فهو فهذه الأوراق التي بين أيدينا قد كتب فيها
القرآن الكريم فالورق والجلد والمداد وغير ذلك والتجليد هذا كله يسمى
مصحفاً لكن لا يسمى الجلد مثلا قرآناً إنما القرآن هو ذلك الكلام الموجود
داخل المصحف.

فالمصحف عبارة عما فعله الناس وقام به الناس ولذلك المصاحف
تنسب إلى الناس أما القرآن فلا ينسب إلا إلى قائله وهو الله - سبحانه
وتعالى - المتكلم به جل وعلا.

{ ما هي المدارس التفسيرية في عهد التابعين؟ }

قد قدمنا قبلُ في نشأة علوم القرآن وقلنا: إن علوم القرآن
وجدت مع وجود القرآن لكن لم تكن مدونة في عهد النبي- صلى الله عليه وسلم-
بل ولا في عهد الصحابة - رضوان الله تعالى عليهم- وفي عهد التابعين بدأ
تدوين علوم القرآن وذلك عندما بدأ تدوين الحديث النبوي وهذا ما سنتحدث عنه -
إن شاء الله- في الحلقة القادمة على وجه التفصيل.

لكن قبل هذا تكونت عند التابعين الذين تلقوا العلم عن الصحابة
- رضوان الله تعالى عليهم- تكونت مدارس, هذه المدارس سببها أن الصحابة
تفرقوا في الأمصار كل منهم قد سلك مسلكاً ونهج منهجاً يبلغ به دين الله -
سبحانه وتعالى - ويقدم لهذا الدين ما يستطيع أن يقدمه من خدمة ومن الصحابة
من كان مهتماً بالقرآن عالماً به متمكناً فيه متبحراً كما كان عليه الحال
عند ابن عباس - رضي الله عنهما- وعند عبد الله بن مسعود وعند أبي بن كعب
-رضي الله عنهم- فهؤلاء الثلاثة تفرغوا لتعليم القرآن ونشر علومه ولذلك
نشأت هذه المدارس الذي يسميها المعاصرون مدارس التفسير ففي مكة جاءت مدرسة
التفسير المكية مدرسة ابن عباس - رضي الله عنهما- لأن ابن عباس استقر في
مكة فلزمه جملة من الطلاب ممن تلقوا عنه تفسير القرآن وتلقوا عنه علوم
القرآن ومن أبرز هؤلاء مجاهد بن جبر الذي إذا جاءك التفسير عنه فحسبك به
كما قال سفيان الثوري ؛ لأنه كان قد عرض القرآن على ابن عباس ثلاث مرات
يوقفه عند كل آية يسأله عنها ومنهم سعيد بن جبير - رضي الله عنه ورحمه
الله- ومنهم أيضا عكرمة مولى ابن عباس الذي كان ابن عباس يعلمه علوم القرآن
وكان في بداية الأمر يربطه على تعلم علوم القرآن حتى صار من كبار علماء
القرآن ومنهم طاووس بن كيسان اليماني وعطاء بن أبي رباح هؤلاء هم أشهر
تلاميذ هذه المدرسة المكية أما المدرسة الأخرى فهي مدرسة المدينة الذي كان
إمامها وسيدها أبي بن كعب - رضي الله عنه- فأبي بن كعب استقر في المدينة
ولزمه جملة من الطلاب أشهرهم زيد بن أسلم وأبو العالية الرياحي ومحمد بن
كعب القرظي وهؤلاء من أشهر من روي عنهم التفسير وروايتهم في التفسير مبسوطة
في كتب التفسير المأثورة.

{ إن كثيراً من مدارس تعليم القرآن يركزون على التجويد
ويهملون قضايا التفسير ودراسات علوم القرآن؟ فما توجيهكم؟ }

{ ما هو الفرق بين تفسير القرآن وعلوم القرآن ؟ }

هذه الملاحظة صحيحة ويراها كل إنسان ويلمسها في الواقع وهي أن
عناية كثير من حلقات التحفيظ والمحفظين منصبة على تعليم الناس تلاوة
القرآن الكريم دون تعليم الناس فقه القرآن وفهمه وتدبره وغرس هذا الأمر في
نفوس الناس وهذا مخالف للطريقة التي كان عليها أصحاب رسول الله- صلى الله
عليه وسلم- يقول أبو عبد الرحمن السلمي وهو من تلاميذ عبد الله بن مسعود
حدثنا الذين كانوا يقرؤون القرآن أنهم كانوا لا يتجاوزون عشر آيات حتى
يتعلموا ما فيها من العلم والعمل قالوا فتعلمنا العلم والعمل والقرآن
جميعا.

تصورا - أيها الأحبة- أنهم لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموا
العلم والعمل والقرآن أي والتلاوة مما يدل على أنهم كانوا يمزجون هذه
العلوم. وأبو سعيد الخدري وغيره من الصحابة ذكروا أن هذه الطريقة التي
تلقوا بها القرآن وهو أنهم كانوا يتلقون القرآن شيئاً فشيئاً حتى يتعلموا
القرآن تعلماً حقيقياً بألفاظه ومعانيه بل إن نزول القرآن منجماً على حسب
الحوادث والوقائع ولم ينزل جملة واحدة من السماء للنبي- صلى الله عليه
وسلم- من أجل هذه الحكمة قال الله - سبحانه وتعالى - ﴿وَقُرْآناً
فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ
عَلَى
النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ
وَنَزَّلْنَاهُ
تَنزِيلاً
﴾ [الإسراء: 106]، من أجل أن يفهمه الناس، وقالوا: ﴿لَوْلا
نُزِّلَ عَلَيْهِ القُرْآنُ جُمْلَةً
وَاحِدَةً
كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ
وَرَتَّلْنَاهُ
تَرْتِيلاً
﴾ [الفرقان: 32]. إذن فالحكمة العظمى من إنزال القرآن
منجماً هي أن يفهم الناس كلام الله - جل وعلا- ويتدبروا معاني هذا القرآن.
ابن عمر بقي ثماني سنين في سورة البقرة ليس لأنه لا يستطيع تلاوتها فهؤلاء
عرب أقحاح يقرؤون القرآن غضاً طرياً كما أنزل لكنهم كانوا يتأملوا المعاني
ويتدبرون القرآن حق التدبر وكذلك روي مثل ذلك عن عمر وعن غيره من أصحاب
رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأقول ينبغي أن تتوجه العناية إلى تدبر
معانيه كما كان عليه السلف الصالح- رضوان الله عليهم- وأن نعود بالناس إلى
الطريقة السلفية فإنه لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.

{ هل هناك فرق بين تفسير القرآن وعلوم القرآن؟ }

في أول الأمر كان تفسير القرآن جزءاً من علوم القرآن ثم بعد
ذلك انفك هذان العلمان لماذا؟ لأن علم تفسير القرآن أصبح علماً مستقلاً حيث
إنه تشعب وكثر وصارت له مناهج وطرق مختلفة وعلوم القرآن بقي مصطلحاً على
العلوم والبحوث التي تعرفنا بحقيقة القرآن الكريم وكيفية نزوله وجمعه
وناسخه ومنسوخه وما إلى ذلك، فعلوم القرآن التي سندرسها - إن شاء الله - في
هذه المحاضرات إنما هي التعريف بالقرآن كيف نزل؟ كيف جمع؟ كيف ضبط؟ كيف
قسم؟ كيف كتب؟ كيف وصل إلينا؟ وما إلى ذلك وتفسير القرآن أصبح علماً
مستقلاً بذاته بعد ذلك.

{ هل لدراسة مادة علوم القرآن أثر في حفظ القرآن الكريم ؟ }

لا شك أن دراسة علوم القرآن ترغب الإنسان في القرآن وتبين له
معاني القرآن وتجلي له مراميه فيكون عند الإنسان رغبة في حفظ القرآن وفهم
ما يقرأ ولا شك أن الإنسان إذا فهم ما يقرأ سهل عليه حفظه أما إذا قرأ
شيئاً لا يفهمه فإن حفظه يكون عليه شديداً أو فيه شيء من العسر لكن نقول:
ليس ضرورياً بمعنى أنه لا يمكن للإنسان أن يحفظ القرآن إلا بعد أن يتعلم
علوم القرآن. لا.. هذا غير صحيح لكن الإنسان الذي يتعلم علوم القرآن يسهل
عليه حفظه ، ويكون عنده شغف وشوق وهمة لتعلم وحفظ القرآن الكريم.

{نسمع من بعض العلماء القول بأن للقرآن في كل زمن عطاء مختلف
فهل يعني هذا أن بعض كلام المفسرين المعاصرين لم يعلمه الصحابة الكرام
والتابعين؟}

أما من جهة التفسير- أيها الأخ الكريم - فإن تفسير القرآن قد
علمه أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما علمهم إياه رسول الله- صلى
الله عليه وسلم- ولا يجوز لنا أن نقول: إنهم قد خفي عليهم شيء من القرآن
بان لنا نحن بعد أربعة عشر قرناً من الزمان فإن هذا لا يلزم منه خلو تلك
الأعصار من قائم لله بالحجة، والقرآن- كما تعلم يا أخي- بَيِّن قال الله -
سبحانه وتعالى-: ﴿هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى﴾ [آل
عمران: 138]، فهو بين ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القُرْآنَ لِلذِّكْرِ
فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ
﴾ [القمر: 22]، لكن إذا أريد بهذا الكلام
أنه قد يتجلى للإنسان من معاني القرآن وعطاءاته وفهومه بحسب نظره إليه
وبحسب العصر الذي هو فيه مع أن معنى القرآن الذي نزل به هو معناه الذي كان
عليه في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وفي عهد أصحابه فهذا لا بأس
به يعني أن للناس الحق في أن يستنبطوا من القرآن ما شاءوا إذا كان منضبطاً
بالضوابط العلمية ومنسجماً مع القواعد الشرعية وقد يستنبط عالم من آية في
هذا الزمان حكماً شرعياً أو فائدة علمية أو تربوية أو غير ذلك لم يستنبطها
من سبقوه لكن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن يكون الذين سبقوا لم
يعلموا ذلك الحكم الشرعي هم علموه بطريقة أخرى أو يكون بطريقة علموه لكن
بطريقة أخرى أو علموه ولكن لم يبلغونا إياه ولا يجوز لمسلم أبداً أن يقول:
أنا فهمت من هذه الآية ما لم يفهمه ابن عباس نقول أن الفهم الذي فهمه ابن
عباس والفهم الذي فهم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الفهم
الذي ينبغي أن يفهم عليه كلام الله - سبحانه وتعالى - إنما أنت تفهم
استنباطات من القرآن تفهم فوائد وأحكام إضافية من القرآن لا بأس بهذا أما
أن يقول الإنسان: أنا فهمت شيئا لم يفهمه الناس من قبل فهذا لا يكون, ويرد
على هذا أمر مهم جدا في هذا الميدان وهي ما يسمى بالإعجاز العلمي هل هذا
الإعجاز العلمي فهم جديد للقرآن؟ ليس فهماً جديداً القرآن. الفهم الذي
فهمه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- هو الذي يجب أن نفهمه في هذا
الزمان وذلك الفهم هو الفهم الصحيح، هذه المكتشفات هي أشياء دل عليها
القرآن الكريم ولا يمنع أن يدل القرآن على أشي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
صقر
آحــلآمـ جـديـد
صقر


ادعيتك المختاره : سبحانك اللهم وبحمدك استغفرك واتوب اليك

المشاركات : 15
نقاط العضو : 21
تاريخ التسجيل : 18/05/2010

موسوعة:محاضرات علوم القرآن - 2- د. محمد الخضيري Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة:محاضرات علوم القرآن - 2- د. محمد الخضيري   موسوعة:محاضرات علوم القرآن - 2- د. محمد الخضيري Emptyالثلاثاء مايو 18, 2010 9:40 pm

تفسير سورة الطلاق

من تفسير السعدي (تيسير الكريم
المنان في تفسير كلام الرحمن)


‏[‏وهي مدنية‏]‏ ‏[‏1ـ 3‏]‏ ‏بِسْمِ اللَّهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ
إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا
الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ
بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ
مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ
فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ
ذَلِكَ أَمْرًا * فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ
بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ
مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ
كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ
يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ
أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا‏}‏





يقول تعالى مخاطبًا لنبيه ـ صلى الله
عليه وسلم ـ وللمؤمنين‏:‏

{‏يَا
أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ‏}
‏ أي‏:‏ أردتم
طلاقهن ‏{‏فـ‏}‏ التمسوا لطلاقهن الأمر المشروع، ولا تبادروا بالطلاق من
حين يوجد سببه، من غير مراعاة لأمر الله‏.‏

بل ‏{‏طَلِّقُوهُنَّ
لِعِدَّتِهِنَّ‏}‏ أي‏:‏ لأجل عدتهن، بأن يطلقها زوجها وهي طاهر، في طهر
لم يجامعها فيه، فهذا الطلاق هو الذي تكون العدة فيه واضحة بينة، بخلاف ما
لو طلقها وهي حائض، فإنها لا تحتسب تلك الحيضة، التي وقع فيها الطلاق،
وتطول عليها العدة بسبب ذلك، وكذلك لو طلقها في طهر وطئ فيه، فإنه لا يؤمن
حملها، فلا يتبين و ‏[‏لا‏]‏ يتضح بأي عدة تعتد، وأمر تعالى بإحصاء العدة،
أي‏:‏ ضبطها بالحيض إن كانت تحيض، أو بالأشهر إن لم تكن تحيض، وليست
حاملاً، فإن في إحصائها أداء لحق الله، وحق الزوج المطلق، وحق من سيتزوجها
بعد، ‏[‏وحقها في النفقة ونحوها‏]‏ فإذا ضبطت عدتها، علمت حالها على
بصيرة، وعلم ما يترتب عليها من الحقوق، وما لها منها، وهذا الأمر بإحصاء
العدة، يتوجه ‏[‏للزوج‏]‏ وللمرأة، إن كانت مكلفة، وإلا فلوليها، وقوله‏:‏
{‏وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُم‏}‏ أي‏:‏ في
جميع أموركم، وخافوه في حق الزوجات المطلقات، فـ ‏{‏لَا
تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ‏}
‏ مدة العدة، بل يلزمن بيوتهن
الذي طلقها زوجها وهي فيها‏.‏

‏{‏وَلَا يَخْرُجْنَ‏}‏ أي‏:‏ لا
يجوز لهن الخروج منها، أما النهي عن إخراجها، فلأن المسكن، يجب على الزوج
للزوجة ، لتكمل فيه عدتها التي هي حق من حقوقه‏.‏

وأما النهي عن خروجها، فلما في خروجها،
من إضاعة حق الزوج وعدم صونه‏.‏

ويستمر هذا النهي عن الخروج من البيوت،
والإخراج إلى تمام العدة‏.‏

{‏إِلَّا أَنْ
يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ‏}
‏ أي‏:‏ بأمر قبيح واضح، موجب
لإخراجها، بحيث يدخل على أهل البيت الضرر من عدم إخراجها، كالأذى بالأقوال
والأفعال الفاحشة، ففي هذه الحال يجوز لهم إخراجها، لأنها هي التي تسببت
لإخراج نفسها، والإسكان فيه جبر لخاطرها، ورفق بها، فهي التي أدخلت الضرر
على نفسها ، وهذا في المعتدة الرجعية، وأما البائن، فليس لها سكنى واجبة،
لأن السكن تبع للنفقة، والنفقة تجب للرجعية دون البائن، ‏{‏وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ‏}‏ ‏[‏أي‏:‏‏]‏ التي حددها
لعباده وشرعها لهم، وأمرهم بلزومها، والوقوف معها، ‏{‏وَمَنْ
يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ‏}
‏ بأن لم يقف معها، بل تجاوزها، أو قصر
عنها، ‏{‏فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ‏}‏ أي‏:‏ بخسها
حظها، وأضاع نصيبه من اتباع حدود الله التي هي الصلاح في الدنيا
والآخرة‏.‏ ‏{‏لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ
بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا‏}
‏ أي‏:‏ شرع الله العدة، وحدد الطلاق بها،
لحكم عظيمة‏:‏ فمنها‏:‏ أنه لعل الله يحدث في قلب المطلق الرحمة والمودة،
فيراجع من طلقها، ويستأنف عشرتها، فيتمكن من ذلك مدة العدة، أولعله يطلقها
لسبب منها، فيزول ذلك السبب في مدة العدة، فيراجعها لانتفاء سبب الطلاق‏.‏


ومن الحكم‏:‏ أنها مدة التربص، يعلم
براءة رحمها من زوجها‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏فَإِذَا
بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ‏}
‏ أي‏:‏ إذا قاربن انقضاء العدة، لأنهن لو
خرجن من العدة، لم يكن الزوج مخيرًا بين الإمساك والفراق‏.‏
‏{‏فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ‏}‏ أي‏:‏ على وجه المعاشرة ‏[‏الحسنة‏]‏،
والصحبة الجميلة، لا على وجه الضرار، وإرادة الشر والحبس، فإن إمساكها على
هذا الوجه، لا يجوز، ‏{‏أَوْ فَارِقُوهُنَّ
بِمَعْرُوفٍ‏}
‏ أي‏:‏ فراقًا لا محذور فيه، من غير تشاتم ولا تخاصم،
ولا قهر لها على أخذ شيء من مالها‏.‏

‏{‏وَأَشْهِدُوا‏}‏ على طلاقها
ورجعتها ‏{‏ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُم‏}‏ أي‏:‏
رجلين مسلمين عدلين، لأن في الإشهاد المذكور، سدًا لباب المخاصمة، وكتمان
كل منهما ما يلزمه بيانه‏.‏

‏{‏وَأَقِيمُوا‏}‏ أيها الشهداء
‏{‏الشَّهَادَةَ لِلَّهِ‏}‏ أي‏:‏ ائتوا بها على وجهها، من غير زيادة ولا
نقص، واقصدوا بإقامتها وجه الله وحده ولا تراعوا بها قريبًا لقرابته، ولا
صاحبًا لمحبته، ‏{‏ذَلِكُم‏}‏ الذي ذكرنا لكم من الأحكام والحدود ‏{‏يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ‏}
‏ فإن من يؤمن بالله، واليوم الآخر، يوجب له
ذلك أن يتعظ بمواعظ الله، وأن يقدم لآخرته من الأعمال الصالحة، ما يتمكن
منها، بخلاف من ترحل الإيمان عن قلبه، فإنه لا يبالي بما أقدم عليه من
الشر، ولا يعظم مواعظ الله لعدم الموجب لذلك، ولما كان الطلاق قد يوقع في
الضيق والكرب والغم، أمر تعالى بتقواه، وأن من اتقاه في الطلاق وغيره فإن
الله يجعل له فرجًا ومخرجًا‏.‏

فإذا أراد العبد الطلاق، ففعله على
الوجه الشرعي، بأن أوقعه طلقة واحدة، في غير حيض ولا طهر قد وطئ فيه فإنه
لا يضيق عليه الأمر، بل جعل الله له فرجًا وسعة يتمكن بها من مراجعة
النكاح إذا ندم على الطلاق، والآية، وإن كانت في سياق الطلاق والرجعة، فإن
العبرة بعموم اللفظ، فكل من اتقى الله تعالى، ولازم مرضاة الله في جميع
أحواله، فإن الله يثيبه في الدنيا والآخرة‏.‏

ومن جملة ثوابه أن يجعل له فرجًا
ومخرجًا من كل شدة ومشقة، وكما أن من اتقى الله جعل له فرجًا ومخرجًا، فمن
لم يتق الله، وقع في الشدائد والآصار والأغلال، التي لا يقدر على التخلص
منها والخروج من تبعتها، واعتبر ذلك بالطلاق، فإن العبد إذا لم يتق الله
فيه، بل أوقعه على الوجه المحرم، كالثلاث ونحوها، فإنه لا بد أن يندم
ندامة لا يتمكن من استدراكها والخروج منها‏.‏

وقوله ‏{‏وَيَرْزُقْهُ
مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ‏}
‏ أي‏:‏ يسوق الله الر*** للمتقي، من وجه
لا يحتسبه ولا يشعر به‏.‏

{‏وَمَنْ
يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ‏}
‏ أي‏:‏ في أمر دينه ودنياه، بأن يعتمد
على الله في جلب ما ينفعه ودفع ما يضره، ويثق به في تسهيل ذلك ‏{‏فَهُوَ
حَسْبُهُ‏}‏ أي‏:‏ كافيه الأمر الذي توكل عليه به، وإذا كان الأمر في
كفالة الغني القوي ‏[‏العزيز‏]‏ الرحيم، فهو أقرب إلى العبد من كل شيء،
ولكن ربما أن الحكمة الإلهية اقتضت تأخيره إلى الوقت المناسب له؛ فلهذا
قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ‏}
أي‏:‏ لا بد من نفوذ قضائه وقدره، ولكنه ‏{‏قَدْ
جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا‏}
‏ أي‏:‏ وقتًا ومقدارًا، لا
يتعداه ولا يقصر عنه‏.‏ ‏[‏4ـ 5‏]‏ ‏{‏وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ
ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ
وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ
يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا * ذَلِكَ أَمْرُ
اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ
سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا‏}





لما ذكر تعالى أن الطلاق المأمور به
يكون لعدة النساء، ذكر تعالى العدة، فقال‏:‏

{‏وَاللَّائِي
يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ‏}
‏ بأن كن يحضن، ثم ارتفع
حيضهن، لكبر أو غيره، ولم يرج رجوعه، فإن عدتها ثلاثة أشهر، جعل لكل شهر،
مقابلة حيضة‏.‏

{‏وَاللَّائِي
لَمْ يَحِضْنَ‏}
‏ أي‏:‏ الصغار، اللائي لم يأتهن الحيض بعد، و
البالغات اللاتي لم يأتهن حيض بالكلية، فإنهن كالآيسات، عدتهن ثلاثة أشهر،
وأما اللائي يحضن، فذكر الله عدتهن في قوله‏:‏ ‏{‏وَالْمُطَلَّقَاتُ
يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ‏}
‏ ‏[‏وقوله‏:‏‏]‏
{‏وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ‏}
أي‏:‏ عدتهن ‏{‏أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ‏}
أي‏:‏ جميع ما في بطونهن، من واحد، ومتعدد، ولا عبرة حينئذ، بالأشهر ولا
غيرها، ‏{‏وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ
مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا‏}
‏ أي‏:‏ من اتقى الله تعالى، يسر له الأمور،
وسهل عليه كل عسير‏.‏

‏{‏ذَلِكَ‏}‏ ‏[‏أي‏:‏‏]‏ الحكم الذي
بينه الله لكم ‏{‏أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ
إِلَيْكُم‏}
‏ لتمشوا عليه، ‏[‏وتأتموا‏]‏ وتقوموا به وتعظموه‏.‏

{‏وَمَنْ
يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا‏}

أي‏:‏ يندفع عنه المحذور، ويحصل له المطلوب‏.‏ ‏[‏6ـ 7‏]‏ ‏{‏أَسْكِنُوهُنَّ
مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ
لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا
عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ
فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ
تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى * لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ
سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ
اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ
اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا‏}‏





تقدم أن الله نهى عن إخراج المطلقات
عن البيوت وهنا أمر بإسكانهن وقدر الإسكان بالمعررف، وهو البيت الذي يسكنه
مثله ومثلها، بحسب وجد الزوج وعسره، ‏{‏وَلَا
تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ‏}
‏ أي‏:‏ لا تضاروهن، عند
سكناهن بالقول أو الفعل، لأجل أن يمللن، فيخرجن من البيوت، قبل تمام العدة،
فتكونوا، أنتم المخرجين لهن، وحاصل هذا أنه نهى عن إخراجهن، ونهاهن عن
الخروج، وأمر بسكناهن، على وجه لا يحصل به عليهن، ضرر ولا مشقة، وذلك راجع
إلى العرف، ‏{‏وَإِنْ كُنَّ‏}‏ أي‏:‏ المطلقات ‏{‏أُولَاتِ
حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ‏}

وذلك لأجل الحمل الذي في بطنها، إن كانت بائنًا، ولها ولحملها إن كانت
رجعية، ومنتهى النفقة حتى يضعن حملهن فإذا وضعن حملهن، فإما أن يرضعن
أولادهن أو لا، ‏{‏فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ
فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ‏}
‏ المسماة لهن، إن كان مسمى، وإلا فأجر
المثل، ‏{‏وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ‏}‏
أي‏:‏ وليأمر كل واحد من الزوجين ومن غيرهما، الآخر بالمعروف، وهو كل ما
فيه منفعة ومصلحة في الدنيا والآخرة، فإن الغفلة عن الائتمار بالمعروف،
يحصل فيه من الشر والضرر، ما لا يعلمه إلا الله، وفي الائتمار، تعاون على
البر والتقوى، ومما يناسب هذا المقام، أن الزوجين عند الفراق وقت العدة،
خصوصًا إذا ولد لهما ولد في الغالب يحصل من التنازع والتشاجر لأجل النفقة
عليها وعلى الولد مع الفراق، الذي في الغالب ما يصدر إلا عن بغض، ويتأثر
منه البغض شيء كثير فكل منهما يؤمر بالمعروف، والمعاشرة الحسنة، وعدم
المشاقة والمخاصمة وينصح على ذلك‏.‏ ‏{‏وَإِنْ تَعَاسَرْتُم‏}‏ بأن لم
يتفقوا على إرضاعها لولدها، فلترضع له أخرى غيرها ‏{‏فَلَا
جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ‏}

وهذا حيث كان الولد يقبل ثدي غير أمه، فإن لم يقبل إلا ثدي أمه، تعينت
لإرضاعه، ووجب عليها، وأجبرت إن امتنعت، وكان لها أجرة المثل إن لم يتفقا
على مسمى، وهذا مأخوذ من الآية الكريمة من حيث المعنى، فإن الولد لما كان
في بطن أمه مدة الحمل، ليس له خروج منه عين تعالى على وليه النفقة، فلما
ولد، وكان يمكن أن يتقوت من أمه، ومن غيرها، أباح تعالى، الأمرين، فإذا،
كان بحالة لا يمكن أن يتقوت إلا من أمه، كان بمنزلة الحمل، وتعينت أمه
طريقًا لقوته، ثم قدر تعالى النفقة، بحسب حال الزوج فقال‏:‏ ‏{‏لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ‏}




أي‏:‏ لينفق الغني من غناه، فلا ينفق
نفقة الفقراء‏.‏

{‏وَمَنْ
قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ‏}
‏ أي‏:‏ ضيق عليه ‏{‏فَلْيُنْفِقْ
مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ‏}
‏ من الر***‏.‏ ‏{‏لَا
يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا‏}
‏ وهذا مناسب للحكمة
والرحمة الإلهية حيث جعل كلا بحسبه، وخفف عن المعسر، وأنه لا يكلفه إلا ما
آتاه، فلا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، في باب النفقة وغيرها‏.‏ ‏{‏سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا‏}
وهذه بشارة للمعسرين، أن الله تعالى سيزيل عنهم الشدة، ويرفع عنهم المشقة،
{‏فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ
الْعُسْرِ يُسْرًا‏}



‏ ‏[‏8ـ 11‏]‏ ‏{‏وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا
وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا
نُكْرًا * فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا
خُسْرًا * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ
يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ
إِلَيْكُمْ ذِكْرًا * رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ
مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ
الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ
صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا‏}





يخبر تعالى عن إهلاكه الأمم العاتية،
والقرون المكذبة للرسل أن كثرتهم وقوتهم، لم تنفعهم شيئًا، حين جاءهم
الحساب الشديد، والعذاب الأليم، وأن الله أذاقهم من العذاب ما هو موجب
أعمالهم السيئة‏.‏

ومع عذاب الدنيا، فإن الله أعد لهم
في الآخرة عذابا شديدًا، ‏{‏فَاتَّقُوا اللَّهَ
يَا أُولِي الْأَلْبَابِ‏}
‏ أي‏:‏ يا ذوي العقول، التي تفهم عن الله
آياته وعبره، وأن الذي أهلك القرون الماضية، بتكذيبهم، أن من بعدهم مثلهم،
لا فرق بين الطائفتين‏.‏

ثم ذكر عباده المؤمنين بما أنزل
عليهم من كتابه، الذي أنزله على رسوله محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليخرج
الخلق من ظلمات الكفر والجهل والمعصية، إلى نور العلم والإيمان والطاعة،
فمن الناس، من آمن به، ومنهم من لم يؤمن ‏[‏به‏]‏، ‏{‏وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا‏}‏ من
الواجبات والمستحبات‏.‏ ‏{‏يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ‏}
‏ فيها من النعيم المقيم، ما لا
عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ‏{‏خَالِدِينَ
فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا‏}
‏ ‏[‏أي‏:‏‏]‏
ومن لم يؤمن بالله ورسوله، فأولئك أصحاب النار، هم فيها خالدون‏.‏ ‏[‏12‏]‏ ‏{‏اللَّهُ
الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ
يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى
كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ
عِلْمًا‏}





‏[‏ثم‏]‏ أخبر ‏[‏تعالى‏]‏ أنه خلق
الخلق من السماوات السبع ومن فيهن والأرضين السبع ومن فيهن، وما بينهن،
وأنزل الأمر، وهو الشرائع والأحكام الدينية التي أوحاها إلى رسله لتذكير
العباد ووعظهم، وكذلك الأوامر الكونية والقدرية التي يدبر بها الخلق، كل
ذلك لأجل أن يعرفه العباد ويعلموا إحاطة قدرته بالأشياء كلها، وإحاطة علمه
بجميع الأشياء فإذا عرفوه بأوصافه المقدسة وأسمائه الحسنى وعبدوه وأحبوه
وقاموا بحقه، فهذه الغاية المقصودة من الخلق والأمر معرفة الله وعبادته،
فقام بذلك الموفقون من عباد الله الصالحين، وأعرض عن ذلك، الظالمون
المعرضون‏.‏

‏[‏تم تفسيرها والحمد لله‏]‏‏.‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
موسوعة:محاضرات علوم القرآن - 2- د. محمد الخضيري
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» يتبع:موسوعة:محاضرات علوم القرآن - 2- فضيلة الشيخ / محمد عبد العزيز الخضيري
» الحال مع القرآن في رمضان
» أوصاف الوجوه يوم القيامة في القرآن الكريم
» حمل القرآن الكريم بتلاوة القاريء الذي تريد..
» لمسات بيانية - السيد البشبيشي- أسرار التكرار في القرآن

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
احلام الورد :: إسلاميـات-
انتقل الى: